أ. د.عثمان بن صالح العامر
الشيء الذي إذا ذهب لا يعود ولا يمكن تعويضه ولا استدانته وتوفيره، وفي ذات الوقت الناس فيه سواسية، الغني والفقير، الصغير والكبير، الذكر والأنثى، يمرون عليه مصبحين وفي الليل هو (الوقت) منذ لحظة الميلاد وحتى ساعة الموت، وهو - الزمن - مع أن يومه في الدنيا أربع وعشرون ساعة فإن هذه الساعات عند الرب تختلف في الكيف لا الكم، والناس يتباينون في امتلاك القدرة على توظيف هذه الساعات واستغلالها والتعامل معها إيجاباً أو سلباً، كما أنهم يتفاضلون في تصيُّد الفرص واقتناصها التي جعلها الله على مدار العام أخروية كانت هذه الفرص أو دنيوية، ومن أثمن ساعات العمر في حياة المسلم كما نصَّ الدليل ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، وليلة القدر أفضل ليالي العام، كما أن يوم عرفة هو الأفضل نهاراً، ولذلك جعل الله لعباده بعد تحقق إنجازهم السنوي في موافقة هذه أو تلك عيداً يبارك كل منهم لصاحبه أنْ وفقه الله عز وجل لاستغلال دقائق تلك الليلة أو ذلك اليوم، فضلاً عن إتمامه الصيام لشهر رمضان المبارك أو إحرامه بالحج طاعة لله وانقياداً.
* لقد وقفت متأمّلاً في عيدنا ومقارناً بينه وبين أعياد غيرنا، سواء الماديين أو الروحانيين، الكتابيين أو الوضعيين، فوجدت أن لعيدنا دلالات أعمق ومظاهر أسمى تربطك بالسماء ولا تنتقص من رغباتك الأرضية وعلاقاتك الشخصية، ففي صبيحة يوم العيد مثلاً أُمر الناس أن يخرجوا للمصلى - الرجال والنساء حتى الحيض - من طريق ويعودون من طريق آخر، وفي هذا السلوك المجتمعي المقصود إظهار للكثرة، وإعلان للتسليم، وإشعار بالوحدة والامتثال، وطرق لباب التعارف والتآلف والتواد بين المسلمين، واستعراض لجمع من الأمة في كل بلد من بلاد الإسلام، وعقد للمقارنات بين هذه البلاد المترامية الأطراف، مدنها وقراها، حاضرتها وباديتها، القريب منها والبعيد، ولك أن تتصور الإعلام العالمي وهو ينقل لنا مشاهد جموع المسلمين وهم بهذه الصورة الرائعة والفريدة صبيحة يوم عيدهم، كم من المشاعر تنتقل بسرعة البرق وهي ترقب في يوم فرحها حال أمتها أطفالاً ونساءً، شباباً وشيباً!؟.
* الرمزية في هذا اليوم لها دلالتها العميقة؛ فالمسلم يبدأ يومه بأكل تمرات قبل الخروج لمصلى العيد استناناً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي ذات الوقت يُكبّر الله ليعلن للدنيا كلها بصوت مسموع بقاءه على العهد، وتسليمه لله واعترافه أن الله أكبر من كل شيء، حتى رغباته الذاتية ونزواته الشخصية.. فالعيد عنده هو التزام بما أمر الله لا انفلات وتحرر بلا ضابط كما يعتقد البعض ويريد.. ومن بين مظاهر الالتزام الكثيرة أن المسلم الذي كان بالأمس يمسك عن الأكل والشرب طاعة لله وامتثالاً لأمره، يبدأ يوم عيده بأكل تمرات قبل خروجه لمصلاه لتحريم الله الصوم في هذا اليوم العظيم.
* للوالدين وولي الأمر والأرحام والأقارب والجيران والأصدقاء حق المباركة في هذه المناسبة السنوية العظيمة ذات الصبغة الدينية التعبدية، الروحية والمادية والاجتماعية، ومن هذا الباب أشرف في هذه المناسبة بأن أرفع أسمى آيات التبريكات والتهاني لمقام خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وولي ولي العهد، والأسرة الكريمة والدوحة السعودية المباركة، ولأهل الفضل والحل والعقد بمناسبة عيد الفطر المبارك، وأسأل الله للجميع القبول وعيدكم مبارك.
* ومن باب الشيء بالشيء يُذكر، كنت قبل سنوات كتبت مقالاً في يوم العيد عنونته بـ (عيدنا في حائل غير) صوَّرت فيه الشارع الحائلي صبيحة العيد والناس يتجمعون على موائد الطعام، وعرجت فيه على ما يتبع ذلك من معايدات ومباركات بين الأهالي في المنازل والتجمعات، وفي المساء هاتفت صاحب المعالي، الغالي الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته - معايداً ومباركاً، فقال لي ممازحاً (عثمان.. ترى بعد عيد المجمعة غير، نجد واحد مو بس أنتم ياهل حائل عندكم ما ذكرت)، والأمر كما قال أبو أحمد - حمده الله ورحمه وأكرمه في قبره وعند بعثه - وللأهمية وجب التصحيح.
* لنستقبل هذا المناسبة ونحن نحمل في قلوبنا لبعضنا البعض الحب والمودة والسلام، وليكن من أوائل أعمالنا في هذا اليوم العظيم تطهير ما بين الحنايا، والمسامحة بيننا، لننزع ما قد يكون بيننا من ضغينة وخصام «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، دمتم بخير، ودامت أفراحنا في وطن العز والمجد والتكاتف والوئام، وكل عام وأنتم بخير، وإلى لقاء والسلام.