أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: رحم الله صاحبَ السُّمُوِّ الْمَلَكِي سُعُوْدَ بنَ فيصلٍ؛ فقد كان سِرَّ أبيه (زعيمِ العربِ والْمُسْلِمِين في عهدِه الملكِ فيصلِ بنِ عبدالعزيز آل سعودٍ رحمهم الله تعالى).. وصفوا سعوداً بأنه عَرَّابُ السياسة، ووصفوه بـ (أيْقُوْنِيَّتها)، وَوَصَفُوْه بأنه عَمِيْدُها.. وكلُّ ذلك حَقٌّ؛ بل هو جَهْبَذُها،
وعاقِلُها، ومُهَنْدِسُها، وشاهِدُ الْعَدْلِ فيها، والْمُتَعَامِلُ بالرحمةِ والرَّأفةِ مع مَنْ نالَتْهم مظالِمُها.
قال أبو عبدالرحمن: كلُّ هذه الْمُفْرَداتِ العربيةِ الفصيحةِ كافِيةٌ عن التَّخَوُّجِ بعَرَّابٍ، وَأَيْقُوْنةٍ؛ فأمَّا (عَرَّابٌ) فقد بَدَأت بمعنىً نصرانِيٍّ.. يقولون: حَضَرَ الْعَرَّابُ مَرَاسِيمَ الْحَفْلِ؛ وهو الْكَفِيلُ الَّذِي يَحْضُرُ عَمَلِيَّةَ تَعْمِيدِ الطِّفْلِ، وَيَتَوَلَّى مَسْؤُولِيَّةً رَمْزِيَّةً عند النصارى؛ تَعْنِيْ مسؤوليةَ اتفاق طرفين في السِّر؛ ولا أعْلمُ حقيقةَ ذلك.. ثمَّ تطوَّرتْ إلى معنى آخرَ عند النصارى؛ وهو الشخصُ الذي يقف بجانب الزوج في مراسيم العرس، أوْ يحمل الطفل المولود أثناء العماد في الكنيسة؛ ويُسَمَّى ذلك الرجل (الأَشْبين).. ثُمَّ امتدَّ التعبيرُ النصراني إلى معنى ثالث وهو الشخص المختار الذي يبارك المولود الجديد في الكنيسة، وَيُعَمِّدُه بالماء المبارك؛ فيكون مَقامَ الأب للطفلِ؛ فما أَبْعَدَ هذا التعبيرَ عن المُصطلح السياسي، ولسنا بحاجةٍ إلى التَّخَوُّجِ به.
قال أبو عبدالرحمن: وَأَمَّا (الأيقونةُ) فهو تعبير نصراني أيضاً يعني تِمْثالاً مُصَغَّراً لشخصيَّةٍ دينيَّةٍ يتبرَّكون بها، ويضعونها في غِلافٍ مِن الْفِضَّةِ أو الذَّهب، ويُعَلِّقونها في الْعُنُق.. وإذن فهذا المعنى النَّصراني بعيدٌ كلَّ الْبُعْدِ عن المُصْطلحِ السِّياسي، ونحن في غِنىً عنه، وعن الْعَرَّابِ بمفردتين عربَّيتين فَصيحتين؛ وهما رحيمُها، وعميدُها.. وللأيقونةِ معنىً آخر لا علاقَةَ له بالمصطلح السياسي نهائياً؛ وهو الرَّمْزُ بعلامةٍ لِبَرْنامِجٍ مُخَزَّنٍ في الحاسوب إذا نُقِرَ يَنْفَتِحُ البرنامجُ، ويظهر على الشاشة.
قال أبو عبدالرحمن: أحْصَى الدكتور سلطانُ بنُ ناصِرٍ المُجَيْوِلُ مِلْيُوْنَ كَلِمَةٍ، وسِتِّيْنَ صحيفةً في رِثاء الأميرِ سعودٍ ؛ وهذا حَقٌّ مُفْرِحٌ؛ ولكنَّه دونَ الواقِع بِمَلايِيْنِ القلوبِ المفجوعةِ المَظلومةِ الْمُعَذَّبَةِ البائِسةِ مِن البشر كملايين السورِييِيْنَ الذين تألَّبَ عليهم الْعَالَمُ الأجنبيُّ، ونَفَّذَ جَرِيْمَتَهم بَشَّارُ الْجَحَشُ النُّصَيْريُّ.. حَضَرَ سعودٌ رحمه الله تعالى تَجَمُّعاً دُعِيَ إليه، وكان مندوبُ الأمم المتحدة الأخضرَ الإبراهيميَّ، وَقَد بدأَ أوَّلَ نغمةٍ تَشْكِيكيةٍ رخيصةٍ مُخَدَّرةٍ.. يريدُ التَّأكُّدَّ مِن طلوع الشمس وهي تخرقُ عَيْنَيْهِ في عِزِّ الظَّهيرة، وتَصْهر جسده.. ذلك هو التأكُّدُ من الأسلحة الفتَّاكة الْمُحَرَّمَةِ دُوَلياً وشرعياً وإنسانياً التي يذبح بها الْمُجْرِمُ بشار الجحش الشعبَ المسلِم؛ والتُّأكُّدُ هو: (هل استعملَ بشارٌ تلك الأسلحة؟!!!).. يَتَأَكدَّون!!!.. واخجلتاه وملايِيْنُ البشر الْمُشَرَّديْن بين الدُّوَلِ وفي الأرض، ومنهم عشراتُ الألوفُ من صَرْعَى الأوبئةِ، ومنهم عشرات الألوف من ضحايا الأمراض النفسية والاختلالِ العقلي.. لقد أبتْ نَزَاهَةُ سعودٍ رحمه الله تعالى، وأبَى دينه، وأيتْ إنْسَانيَّتهُ، وأَبتْ مَرْحَمته ما صرَّح به مُسْتَعِيذاً بالله: (أنْ يكونَ شاهِدَ زورٍ)؛ فَنَطَق بالْحقِّ وإنْ كان ذلك يُغْضِبُ كثيراً مِن الْمُتَنَفِّذِين كأمريكا وروسيا.. قَدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه.. قال له الْمَلك عبدالله بن عبدالعزيز رحمهم الله تعالى جميعاً: (عرفكم العالَمُ أجْمَعُ على مَدَى أربعين عاماً بينَ عواصِمِه ومُدُنِه شارِحاً سياسةَ وَطَنِكُمْ.. حَمَلْتُمْ لواءَ الوطنِ وَأُمَّتِكُمْ العربيةِ والإسلاميةِ منافِحاً عن مبادِئه ومصالحه مُضَحَّيْاً بوقتكم وصِحَّتِكم).. نعم ضحَّى بذلك، وتَحَمَّلَ غَدْرَ زَبانِيةِ (مُعَمَّر القذَّافي) في مِصْرَ الشقيقة.. تَحَمَّلَ الآلام بَقِيَّةَ عُمْرِه، وأَبَى أن يكونَ هذا الحادثُ الْجَلَلُ مُكَدِّراً العلاقاتِ الخارجية بين المملكة ومِصْرَ، وبين الْقَذَّافي.. كانتْ رعايةُ عينيهِ الكريمتينِ لمصالحِ أبناءِ المملكةِ بعضُ هَمِّه الذي يُقْلِقُهُ.. قضى بقيَّةَ عُمْرِه بين عَملِيَّاتٍ جِراحِيَّةِ الواحِدَةِ تِلْوَ الأخرى؛ فَشَبَّه حالته بحالِ أُمَّتِنا؛ فيا لَه مِن تشبيْهٍ عنْ أُمَّةٍ تكالبت علها الأعداءُ طمعاً في كلِّ مُقَدَّراتِها، وَحِقْداً على تاريخها المجيد، وثأراً للأيْدْيُوْلوجِيَّات التي تُصَدِّر الإباحِيَّة والإلحاد.. إنَّ سعوداً رحمه الله تعالى في كلِّ أقوالِه وأفعالِه لا يَصْدُر عن فراغٍ؛ بل هو قاموسٌ حصيفٌ -إنْ صحَّ الْوَصْف- لكلِّ شاردةٍ أوْ واردة من همومِ المملكة، وهموم العرب والمسلمين، وهموم الإنسانية المُسْتَضْعَفةِ المظلومة.
قال أبو عبدالرحمن: كان الأمير سُعودُ بنَ فيصلٍ أمامَ كلِّ فاجعةٍ عندما يَلْقى ربَّه مَلِكٌ من آل سعودٍ الكرامِ رحمهم الله تعالى؛ فَبَعْدَ أنْ يُبايِعَ يُجَدِّدُ الْعَهْدَ لِلمَلكِ الذي يَخْلُفه، ويقومُ بكل أمانةٍ ووفاءٍ وإخلاصٍ في وظيفته بِخِدْمَةِ العهدِ الجديد في كلِّ ما يَتَحَمَّلُهُ مِن أعباء.. وَحَّقٌ على مَنْ عايشَ سُمُوَّه رحمه الله تعالى مِن أساطين السيامة ولا سيما في وزارةِ الخارجية: أنْ يُعِدَّ لسموِّه ترجمةً حفيلةً تُتابع جميعَ إنجازاته في مراحِل عمره الْمُبارك.. ومِن الطرائف التاريخيَّة الأدبيةِ الْمُفِيْدَةِ جِدّاً جداً ما نشرته هذه الجريدة يوم السبت 24-9-1436هـ في عددها (15626) عن قصائدَ أُلْقِيَتْ على الملك فيصلٍ بمناسبةِ مولدِ ابنه سعود رحمهم الله تعالى مِن شعرٍ فصيح؛ وفي ظَنِّي أنَّ للشِّعْرِ العاميِّ مساهمةً في ذلك، ولعل صاحبَ السموِّ الملكي الأميرَ خالدَ الفيصل يَحْتَفِظ بشيْىءٍ مِن ذلك؛ فمثلُ هذه الطرائفِ يفرح بها عاشقو التاريخِ والأدب مَعاً.. وقصارى القولِ: إنَّ سعوداً رحمه الله تعالى لَقِي ربَّه غيرَ مُكْثِرٍ مِن المال.. يَتَصَدَّقُ ويواسي حسب قُدْرتِه ويُجْزل؛ وهذا شيئٌ أشْرَفْتُ عليه يقيناً، والله حسيبٌ عليَّ.. اللهم ارْحمْ الأميرَ سعوداً، وأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوِفادته، ووسِّع مُدْخَلَه، وتَقَبَّلْ دُعاءَ المُسْلِمِيْنَ له، واجعلْ له لسانَ صدقٍ وذكْرٍ في الآخِرِين، وإلى لقاء عاجل إن شاء الله تعالى، والله المستعان.