كوثر الأربش
يتردد الطفل كثيراً فيما يجرب الأشياء الجديدة، أو قد يصاب بالذعر أيضاً أن يضع قدمه العارية على رمل الشاطئ، يجرب قطعة سمك أو جمبري لأول مرة، يمشي على جسر مُشاه مُعلّق، ترتفع به طائرة لعلو شاهق في مدينة الملاهي.. كل تلك الأشياء التي نقوم بها بتبلد تام وميكانيكية في عُرف الطفولة مغامرة مخيفة.
لهذا الأطفال سعداء أكثر؛ لأنهم يخافون أكثر؛ فيدهشون أكثر. الكبار سريعو الملل في الغالب؛ لأنهم توقفوا عن الاستكشاف في سن ما. العمل والحياة الاجتماعية يفترسان المرء منذ انتظم في طابور الموظفين والعاملين والآباء أيضاً. منذ أن غادر ميدان التجربة وتوقف خوفه سكنت الدهشة. يتحول لشيء لا يمكن إشباعه رغم توالي الخسارات.
الأطفال لا تتوقف دهشتهم؛ لأنهم مغامرون، ويقتحمون مخاوفهم. الدافع هو المزيد من الاستكشاف. لكن بمجرد بلوغ سن معينة يصبحون مرغمين على الانضباط، أو الاستجابة لمخاوف الآباء. خوف الأب يختلف كثيراً عن خوف الابن. الأول خوفه مُثبّط ومُحجم. الثاني خوفه مُحفّز ودافع. والحياة فيها الكثير لنجربه، بحاجة فقط لقلب متولع بالتجربة. هذا القلب الذي يتم تدجينه في سنٍ ما في مدن الملاهي فرصة للطفل لأن يجرب التسلق، السرعة الخاطفة، الهبوط المُريع والارتفاع الشاهق. الكبار - وخصوصاً في مجتمعاتنا الخليجية - تنحصر متعهم في وليمة، أو مشاركة الأصدقاء «راس شيشة». أو للنساء حفلة زواج صاخبة تشبع الفضول النسوي الجامح! وأنا هنا لا أحصر ولا أبالغ، إنما أتحدث عن الغالب. الكبار تتحول متعتهم، تنعطف من الاستكشاف إلى الحيازة. كلما جمعنا المزيد من المال والأولاد والزوجات أيضاً غامرتنا سعادة، لكنها في ظني سعادة تجلب القلق، قلق أن يصاب الأولاد بمكروه، ألا يمكنك توفير حياة كريمة لهم، أو لا يمكنك إنقاذهم في الظروف المميتة. الأغنياء كذلك قلقون؛ حيازة الأشياء مقلقة. لكن استكشاف الطفل لما حوله يكسبه نشوة لا يمكن أن تُسرق، سترافقه لسريره في الليل، وقد يغفو وهي تلمع في حلمه، مخلفة ابتسامة خفيفة كالموجة.
تجربة أشياء جديدة تضاعف من إحساسنا بوجودنا. في فيلم «العالم الجوراسي/ Jurassic World» الذي يعرض حديثاً في السينما عمد ملاك جزيرة الديناصورات إلى تجديد المباني دورياً، إنتاج نوع جديد من الديناصورات في المختبر، من خلال تلقيح أكثر من نوع جيني؛ ذاك فقط لضمان تدفق الزوار للمعرض؛ فزيادة الأرباح تعتمد على ضمان تجديد الدهشة.
نحن الآن في أيام العيد، بعد مضي شهر رمضان الكريم - أعاده الله علينا بأتم العافية - فما الذي ينتظرنا غير وليمة يوم العيد، زيارة الأقارب، مرافقة الأطفال للملاهي، أو السفر للسينما مثلاً؟! لماذا لا تفكر بتجربة شيء ما: الغوص، التحليق بمنطاد، القفز من الهواء وتسلق جبل.. خائف أن يحصل لك مكروه؟ لا بأس؛ الخوف خالق الدهشة. إذا مات خوفنا سنتحول لخبراء. والخبير يكتسب الحكمة لكنه يفتقد رعشة الحياة التي تشعره بأنه موجود، أنه جزء صغير جداً في هذا الكون الهائل. الخوف يعيدك طفلاً.