د. عبدالواحد الحميد
كانت مبادرة بلدية مدينة نيويورك بإضافة عيدي الفطر والأضحى إلى أيام العُطل المدرسية لفتة حضارية جميلة في بلدٍ متعدد الأعراق والثقافات والديانات. فالولايات المتحدة، رغم البدايات الدامية لإنشائها على أنقاض المجتمعات الهندية الأصيلة، هي مجتمع منصهر يحوي عناصر تنتمي إلى كل مجتمعات العالم بما لا يشبه أي بلد آخر حتى بلدان «العالم الجديد» الأخرى مثل أستراليا ونيوزلندا وأمريكا الجنوبية.
هذه المبادرة سوف تسري بدءاً من العام الدراسي القادم، وسوف تعمق مشاعر انتماء الطلاب المسلمين إلى وطنهم: الولايات المتحدة الأمريكية. فمواطنو أمريكا المنحدرون من أصول مختلفة والمنتمون إلى أديان متعددة لابد أن يشعروا بالمساواة في التعامل فيما يتعلق بثقافاتهم الموروثة إذا كان المجتمع الأمريكي يريد من أفراده أن يكون ولاؤهم لهذا المجتمع.
وللأسف فإن مسلمي الولايات المتحدة متهمون بأنهم منعزلون عن المجتمع وغير متفاعلين معه، وقد يكون أحد أسباب ذلك هو شعورهم بأن ثمة إقصاء يمارس ضدهم وضد ثقافتهم رغم أعدادهم الكبيرة في مختلف الولايات الأمريكية، بالإضافة إلى السياسة الخارجية الأمريكية التي ظلت منذ إنشاء «إسرائيل» وحتى الآن منحازة إلى الجانب الإسرائيلي.
وقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في معرض ثنائه على مبادرة بلدية مدينة نيويورك، أن هذا القرار هو بمثابة «اعتراف بالتنوع والطابع الشمولي اللذين يضيفان ثراءً إلى أمتنا». وهذا صحيح إذا ما تأملنا الفكرة التي لا يمل الأمريكيون من ترديدها وهي أن المجتمع الأمريكي هو «وعاء الانصهار» الذي يحوي خلاصة جميع الثقافات.
فعلى صعيد العلاقة بين المواطن الأمريكي العادي والأشخاص الوافدين إلى الولايات المتحدة للدراسة أو العمل أو لأي سبب من الأسباب ربما يظل المجتمع الأمريكي حتى الآن من أفضل المجتمعات في العالم، وهذا ما تحمله ذاكرة أجيال متعاقبة من الطلاب السعوديين الذي تلقوا التعليم في الولايات المتحدة في فترات زمنية مختلفة. ومن المؤسف أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 غيَّرَت إلى حدٍ ما من طبيعة هذه العلاقة، وبخاصة في أوج تداعياتها، كما أن المد الداعشي المخيف في الآونة الأخيرة وما صاحبه من فظاعات نغصت حياة المسلمين في أمريكا وفي جميع بلدان العالم.
أتمنى أن يتلقف مسلمو الولايات المتحدة هذه المبادرة ومثيلاتها وأن يتفاعلوا معها بشكل إيجابي، ففي النهاية هم مثل غيرهم من المواطنين الأمريكيين الآخرين حباً لبلدهم وإخلاصاً له وهو البلد الذي أتاح لهم فرص العيش الكريم بما قد لا يكون متاحاً لهم لو أنهم لم يهاجروا من أوطانهم الأصلية.