د. فوزية البكر
أولاً: يجب أن نبدأ بتقديم شكرنا العميق للسيدة الشجاعة أم طارق الداوود التي تمكنت من خلال مبادرتها الفردية قبل ست سنوات أن تعيد إحياء ظاهرة جميلة عرفناها، ونحن أطفال في أحيائنا البسيطة، وهي إحياء احتفالات الجيران وأهالي الحي بعيد الفطر المبارك..
فمن خلال مبادرة شجاعة وفردية قامت هذه السيدة وتبعتها سيدات أُخريات مثل أم صالح السيف وأم هشام الجطيل بالتواصل مع العديد من سيدات الحي لإقناع أزواجهن وأولادهن على التعبير عن مظاهر الفرح بليلة العيد كما جرت العادة قديماً، بحيث يشترك الجميع رجالاً ونساءً وأطفالاً في ذلك من خلال الملابس الجديدة وعقود النور التي تنشر فوق المنازل وأغاني العيد، وبالطبع ما نسميه (بالحوامة)، (وقد يُسمى في مناطق أخرى في المملكة بمسميات أخرى لتصف تنقُّل الأطفال من دار إلى دار والطرْق على الباب للحصول على هداياهم من أهل الدار سواء كانت حلوى أو بعض النقود، مع إنشاد بعض أغاني العيد).
(يمكن لكم رؤية بعض صور هذا الاحتفال من خلال متابعة الهاشتاق: #حوامة_حي_الغدير.
كما يمكن متابعة بعض صور الحدث من خلال الأنستجرام للأخت هدى السيف:
(https://instagram.com/p/cuiJgIMbuV/
ويذكر الكاتب هشام الجطيل.. وهو بالمناسبة أحد قاطني الحي كما ذكر في مقالته المنشورة في جريدة الرأي العام الماضي (أغسطس 2014) أن حي الغدير كانت له الأسبقية في إحياء هذا الاحتفال السنوي منذ خمس سنوات ودُعي إلى تطوير آليات هذا الاحتفال ومساعدة الأهالي على التنسيق مع تجنب البيروقراطية الحكومية حتى لا تقضي على هذه الفعالية الجميلة التي بات أهالي الحي ينتظرونها بشوق كل عام.
ومن الطريف أو ربما كان (من المحزن) أننا ولأننا فقدنا القدرة على تصور الفرح أو المشاركة الجماعية في أي حدث أو ربما، ونظراً للتأهب الأمني وما يحوط البلاد من قلق وترقب بسبب ما أثاره هؤلاء الفاسدون من الإرهابيين والقتلة من خوف وقلق، فقد كتبت هدى السيف التغريدة التالية في حساب حي الغدير: مع كل حوامة: «لازم الشرطة يجون ويحققون هل هي مظاهرة ولا شيء للعيد؟ وأضافت: أصوّر وأنا أرتجف!!»
طبعاً لن يفوتنا أن نشيد بشكل خاص بكل أمانات المناطق المختلفة التي عملت شهوراً طويلة للإعداد لاحتفالات عيد الفطر المبارك من خلال برامج تضم العديد من الفعاليات المقدمة، ومنها المسرحيات الثقافية، ومسرح الطفل، والعروض الفلكلورية، والألعاب النارية، بالإضافة إلى ما تقوم به البلديات الفرعية من جهود لتجهيز مواقع الاحتفالات الرسمية بالمحافظات المختلفة.
أمانات المناطق تحاول إعادة تعرف العيد وإعادة تأهيل الناس للاستمتاع بما أحله الله بعد سنين عجاف أصبح التعبير فيها عن الفرح من المحذورات، رغم أن إظهار الفرح والتعبير عنه بالتشارك في الأكل والشرب ووصل القربى والجيران أمور ثبتت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث ورد أنه قال: (أيام التشريق أيام أكل وشرب).. يعني بذلك الثلاثة الأيام التي بعد عيد الأضحى، وهو ما ينطوي على الاعتراف بالفرح بعد كل عيد، ومن ثم فما حدث في حياتنا خلال العشرين سنة الماضية من إبطال لكل ذلك والتخويف من إظهار الفرح، إنما كان تشدداً غير محمود وغير مبرر، ومن ثم فانطلاق هؤلاء النسوة بهذه المبادرة الرائعة لطلاء وجه عيدنا الذي ظل شاحباً طوال العشرين سنة الماضية لهو ضرب من الشجاعة والإقدام نُهنئهن عليها.
هنا يأتي الآن دور البلديات الفرعية لتقوم بدورها الفعّال في رعاية هذه الفعاليات الأهلية التي هي من الحي وللحي، بحيث يمكن لها تطوير ذلك ليتحوَّل إلى عمل اقتصادي وإعلامي كبير من خلال عقد المنافسات بين البيوت في ذات الحي، وكذلك بين الأحياء في المنطقة الواحدة، ثم بين المحافظات والمناطق، وهكذا كما يجري في كل بلدان العالم التي ترعى الاحتفالات المختلفة لتضفي البهجة والفرح على وجه مدنها وتمنح الأهالي والزائرين والمغتربين فرصة للترويح عن النفس والتعارف وقبول الآخر والاستمتاع بالاختلافات بين البشر والثقافات، بدل هذا المربع الحاد الذي وجدنا أنفسنا فيه، وبدأ ينقلب علينا عنفاً وإرهاباً كما نرى من بعض شبابنا اليوم الذين راحوا ضحية فترة الصحوة المتطرفة التي محت بالتشكيك والملاحقة كل فرحة بسيطة اعتدنا عليها في طفولتنا، وها هم أغلب أبناء اليوم لا يعرفون من العيدين إلا النوم حتى منتصف النهار!.
يجب أن نعيد لمدننا وقرانا قدرتها على الاحتفال، وهذا ليس بالأمر السهل إذ إن المجتمع بأكمله بحاجة إلى إعادة تأهيل حتى يتقبل فكرة الفرح أو المتعة داخل الحدود السعودية (؟؟)، كما سيساعد هذا على تحريك مناشط اقتصادية هائلة من تنظيمات ومطاعم وحلويات وتصوير وإعداد وتنظيم، وكلها أنشطة برع الشباب والشابات السعوديون فيها من خلال ما نراه في حساباتهم على الأنستجرام والسناب تشات.
لكن الدور (نصف الحكومي) ضروري في هذه المرحلة عبر البلديات التي تقوم الآن بانتخاب نصف أعضائها، ومن حقها على هؤلاء الأعضاء أن يعملوا لتمكين أهالي الحي بكافة أعمارهم وأجناسهم على التعارف والتقبل للاختلاف، وكم أدهشني حين ذهبت إلى حي الغدير هذا العام أن أجد النسوة بعباءاتهن وبراقعهن، وقد أقمن صفاً من الكراسي أما منازلهن جلسن عليها لاستقبال أهالي الحي، ومن يرغب في العيدية مع قهوتهن وحلوياتهن، فيما هرعت بناتهن لتنظيم القادمين وتقسيم العيديات، حتى إنني وابني وابنتي حظينا بعيدية مقدارها خمسة ريالات، وكانت أجمل خمسة ريالات تلقيناها في حياتنا فعلاً، ليس لأنها (فعلاً كانت جديدة ومن البنك مباشرة)، بل لما ترمز إليه، وهو أن جزءاً من رسالة رمضان العظيم أن نختمه بالتآخي والفرح وقبول الآخر وتقدير جهده مع نبذ الصراعات والاختلافات.
حمى الله هذه الأمة ورعاها، ودفع عنها كل شر، وجعلها مصب أفئدة المسلمين أينما كانوا، وكل عام وأنتم ومن تحبون بخير وصحة وأمان.