د. فوزية البكر
في تغريدة أطلقها د. عبدالله السبيعي استشاري، الطب النفسي في المملكة في يناير عام 2013 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، قال فيها:
(كل يوم أعمل فيه في الطب النفسي، أزداد يقينا بأن المرأة في مجتمعنا يقع عليها ظلم عظيم. إنها والله مآسي لا يتصور أن تقع في مجتمع مسلم).
فهو من خلال عمله يستمع إلى مئات الحالات التي ظلمت فيها المرأة وسلبت حقوقها بناء على أعراف اجتماعية بائدة وقوانين تؤسس للتمييز العنصري ضد المرأة بحيث أصبح اضطهاد المرأة وحرمانها من حقوقها التي منحتها الشريعة الإسلامية شرف يتسابق له أفراد العائلة، كما في حالة إخوة سارة الذين لم يتوانوا عن قتلها بل هم ينظرون إلى فعلتهم المنكرة بعين الرضا باعتبار القيمة الاجتماعية المناطة بعملهم الذي يعتبرونه حماية لشرف العائلة حتى وإن كان الفعل منكراً كالقتل إضافة إلى أن دوافع القتل نفسه ترتكز على منطلقات عنصرية كريهة.
وقبل سارة كانت هناك حالات عديدة لنساء في أنحاء متفرقة من المملكة؛ إما بالقتل أو الابتزاز والحرمان من الحقوق، عدا عن مئات الحالات التي لن نعرف عنها بسبب فكرة العيب الاجتماعي التي تحيط بإعلان الخلافات الاجتماعية بين أفراد العائلة والتحفظ على توسيعها للمستوى الرسمي وبسبب صعوبة وصول المرأة إلى من تحتكم لهم وحتى إن وصلت فلن تتعدى ثقافة المحكمة (في الغالب) في مجال فهم الحقوق الإنسانية والمدنية والمادية للمرأة رؤية الأهل المغتصبين لهذه الحقوق لأنهم جميعاً ينطلقون من ذات المنطلقات الفلسفية والقانونية.
ولعل النقاش الساخن الذي أثاره تصريح المدير العام للجوازات خلال الأسبوع الماضي حول حق المرأة في السفر دون إذن الولي إذا (تمكنت) من احضار خطاباً من المحكمة بالموافقة التي هي بلا شك ستكون مبنية على موافقة الولي (؟؟) يلخص الوضع المأسوي قانونياً واجتماعياً للمرأة السعودية والمبني على الدونية والتمييز العنصري وانعدام الأهلية.
ومن المضحك المبكي أنه ورغم التبجح الإعلامي السافر أحياناً بتكريم (الجوهرة) المصونة وحفظها فإن المتابع لأبسط الإحصاءات الصادرة عن مؤسسات الدولة نفسها سيجد عجباً للقوانين والممارسات غير الإنسانية التي تتبناها الأجهزة المختلفة دون أي شعور بالخجل من ممارسات لا تحتسب إلا في عداد القرون الوسطي، ولذا فلا عجب أن تحصلت المملكة في تقرير المجلس الاقتصادي العالمي للعام 2014 على المرتبة 130 بين 136 دولة في مقياس التمايز بين الجنسين (جندير كاب) والذي يقيس التمايز في الفرص الوظيفية والرواتب بين الجنسين في بلدان العالم المختلفة متقدمة فقط على دول فقيرة مثل موريتانيا وغينيا.
http://reports.weforum.org/global-gender-gap-report-2014/rankings/
ويمكن رؤية درجة التمثيل الضعيفة التي تحتلها المرأة حتى في سلم الوظائف الحكومية ومواقع صنع القرار من خلال مراجعة إحصاءات وزارة الحدمة المدنية بعدد الموظفين في المناصب القيادية العليا للعام 1434 حيث نجد انه وبمرتبة وزير كان هناك 110 رجال مقابل صفر للنساء وفي المرتبة الممتازة كان هنام 125 رجل مقابل 2 واحداهن طارت الآن. وفي المرتبة الخامسة عشرة هناك 318 رجلا مقابل سيدتين، وفي المرتبة الرابعة عشرة هناك 494 رجلا مقابل 4 نساء.
وهكذا في كل قطاع. المرأة لا تعامل ككائن إنساني يملك إرادة مستقلة، وعلى (الذكور) في الدائرة التي توجد فيها ان يقرروا نسبة وجودها أو عدمه.
لا نشك في أن القضاء هو من سيقول كلمته الأخيرة في مصير الأخ القاتل لتأخذ العدالة مجراها، لكن تحليل الموقف في عمقه يقودنا إلى استنتاجيين:
الأول: أن وضع المرأة بشكل عام في المملكة يجعلها مملوكة لآخرين (أب أو زوج أو أخ) وأنها لا تملك إرادة مستقلة لأن النظرة العامة لها وطبيعة الثقافة العنصرية التي تخترق قلب القوانين الخاصة بها هي من يجعلها في موقف ضعيف لا يتيح لها تحقيق خياراتها مهما كانت بسيطة. وبذا يبدو تمثيلها في المؤسسات العامة ضعيفاً كما أن حقوقها التي أقرتها لها الشريعة الإسلامية لا يمكن تطبيقها في ظل ضعف موقف المرأة القانوني.
الثاني: هو أن الجهل والعنصرية والتمييز بين البشر بحكم الطبقة أو التصنيف العشائري (خضيري - قبيلي) أو من البلد أو من خارجه أو بين أسود وأبيض أو غني وفقير إلخ.... من التمايزات هو ما تقوم عليه ثقافتنا الجاهلة وتدعمها قوانين واعراف جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان ولذا تجد أولئك الذين يصلون إلى مستويات متقدمة عبر الحراك الاجتماعي, إنما يصلون لأن لهم حظوة قبلية أو مالية أو مناطقية أو من خلال القرب من صانع القرار. فالناس إذن لا تعامل سواسية ولذا فإن هذا الأخ الذي أودى بحياة شقيقته وحياته أيضاً إنما هو ضحية أخرى للجهل والتعصب الذي ينخر قلب هذا المجتمع، وهو ما أدى إلى كل هذه التفجيرات لقتل سني أو شيعي لأننا لم نعلم أبناءنا كيف يتقبلون الآخر، ويتقبلون الاختلافات، بل جمعناهم في أكواخ القرون الوسطى كل حسب قبيلته ومذهبه ومنطقته وحسبه ونسبه وتركناهم يتصارعون على تلك الأفكار الغبية.
نحتاج حيال ذلك أن ننقي البيئة والمناخ العام من هذه المشاعر البائسة، ونعلم الناس كيف يتقبلون الاختلافات ويتعايشون معها بل ويفهمون كيف يمكن أن تثري بيئتهم المحلية. نحتاج إلى دعم سلطة القانون والبيئة المدنية في وجه القبلية والصراع الطائفي متى تمكنا من زرع القيمة الإنسانية لكل فرد في مجتمعنا، وأتحنا فرصاً مساوية له للحصول على تعليم أو وظيفة أو زواج.