د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
* الخروجُ من الذات يشبهُ الإبحارَ في الفضاء؛ لا يتحققُ إلا في الحُلمِ الغافي حين لا تكونُ أنت هو أنت، وأنَّى لك !، ومن يجرب العزلةَ وسط الضجيج يلقَ نفسَه المطمئنة؛ تبتسمُ للغادين والرائحين دون أن تسألَهم : من أنتم؟ وكيف أنتم؟ ولماذا أنتم؟ لا يعنيها نصبٌ ولا منصب، ولا لغةٌ ولا لغو، ولا تحليلٌ ولا تعليل ،تبتلٌ دون انقطاع، ونأيٌ من غير اختفاء، وحضورٌ ولا زحام.
* كذا رأى «شهرًا في مكة»؛ فقرأَ داخلَه دون أن يدري، ووجد لها سماءً لم يبلغها، وقاعًا لم يُدركه، وحكاياتٍ لم يَصُغْها، ومنطقًا لم يُصغِ إليه.
* اكتفى سيدُنا إبراهيم الخليل -عليه السلام - بثلاثِ نظرياتٍ أو ربما نظراتٍ آمن بها ثم تخلى عنها؛ فكان « الكوكبُ ربّه فالقمر ثم الشمس» حتى اهتدى إلى « الأكبر» سبحانه؛ فمتى نهتدي إلى أنفسنا ونؤمنُ أن التغييرَ صناعةُ التفكيرِ والتفكرِ، وأن الإرادةَ لا يملكها من يفسرُ الأحداث بل من يحركها فيكتبُه التأريخ.
(2)
* لم يبقَ من لم يُنظِّر للإرهابِ المؤسلمِ من حيثُ أسبابُه وداعموه؛ فقرأنا من عزاه إلى المقرراتِ المدرسيةِ التي يسمونها « مناهج»، ومن رآه في الجمعياتِ الدعويةِ والإعلامِ الدينيِّ، ومن أيقن أنه بضاعةٌ خارجيةٌ حملها إلينا فكرٌأصوليٌ أصيلٌ أو دخيل، وقيل إنه نتاجُ تآمرٍ صليبيٍّ فارسيٍّ ،والظنُّ أننا استوعبنا كلَّ الاحتمالاتِ الممكنةِ دون أن نستطيعَ إثباتَ الفرضيات كي ننطلقَ إلى العلاجِ، والظنُّ - أيضًا- أننا سنظلُّ ونَضِلُّ في هذه المدارات المغلقة حتى نُخضعَ تلك الفرضيات للدرس كي يثبتَها أو ينفيَها.
* اتكأ الأكثرون على الأدلجة المجردة لتصفية حساباتٍ «داخليةٍ» ثقافيةٍ وشخصيةٍ؛ فتقاذفوا الكراتِ الملتهبة وتساقطت شظاياها على المتفرجين المسالمين وتداخلت عللٌ جديدةٌ وتدخلت قوىً إقليميةٌ، ودافع طائفيون عن إرهاب الدولة والحشود والميليشيات وتجاهلها آخرون، وتدافعنا داخل الدوائر المقفلة؛فتضاعف المرعبون.
(3)
* تعلو لغةُ « المحاصَّة الوظيفية» في المراكز»الدينية والمدنية» ممن يرفعون لواءَ مناوأةِ العنصريةِ والمناطقيةِ والقبليةِ، وهنا تناقضٌ صادم؛ فمن يعنيه الوطنُ يُهِمه معيار الكفاءة؛ فليكن كلُّ مسؤولينا من الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الوسط ؛جميعِها أو بعضِها أو واحدةٍ منها، وليكن الرضا عنهم مرتبطًا بأهليتهم» العَمليةِ» ونتاجهم المتحققِ دون النظر إلى خلفيتهم المكانية أو إرثهم العائليِّ.
* الالتفاتُ إلى المقاسمةِ وَفقًا لنداءاتِ الأقلمةِ سيضرُّ الوطن: وحدةً وإنجازًا، حاضرًا ومستقبلا.
(4)
* ترك الوظيفة فنسُوه وحين غادر الدنيا تذكروه؛ ليت بعضَ التذكرِ تقدَّم قليلًا لوقتِ النسيان.
(5)
نحو إشراقِها سرتْ بي ركابي
وببوحِ الحوارِ أعلنتُ مابي
ووقفنا حيث المحطاتُ تمضي
ودلفنا للعمقِ من دون بابِ
رمتُ وصلًا للذاتِ يزهو بذهنٍ
لم تغبْ عنه موحشاتُ اليبابِ
ترتوي بالهدوءِ طورًا.. وطورًا
تركبُ الموجَ فوق هامِ السحابِ