جاسر عبدالعزيز الجاسر
تعطي الأجهزة الأمنية السعودية وأقسام وزارة الداخلية دروساً إضافية لأساليب مواجهة الإرهابيين التي تصيغ حروب المرحلة الرابعة في تاريخ البشرية، المرحلة هذه تتسم بحروب الوكالة، وحروب الوكالة تلجأ إليها مخابرات الدول الأجنبية لاستهداف الدول الأخرى عبر الجماعات الإرهابية التي أخذت تنتشر كالفطر في المجتمعات المختلفة ولأن أهداف الدول التي توجه هذه الجماعات الإرهابية أهداف بعيدة المدى وضعت لها أجندات وخططاً معقدة ووظفت لها عناصر زودت بأجهزة متقدمة ومعدات تجمع بين الاستعمال العسكري الميداني، والابتكار التقني الذي يستخدم آخر ما توصلت إليه الإنجازات العلمية.
عنوان المرحلة الحالية هو شن حروب على الدول المستهدفة، بواسطة منظمات وجماعات إرهابية، ليس من الضروري معرفة من يقف وراءها، وهذه الجماعات تشن حروباً بالوكالة تحقق للجهات الداعمة لها أهدافها وفق مخططات وصفت بواسطة خبراء متخصصين على جانب عال من التفوق.
بيان وزارة الداخلية السعودية وإجابات الناطق الرسمي للوزارة والعميد الذي شاركه في المؤتمر تكشف كثيراً من النقاط التي تتطلب الوقوف كثيراً عندها.
وإذا تحدثنا عن حروب الوكالة فيجب التنبيه بأن بلادنا (المملكة العربية السعودية) إحدى الدول المستهدفة بهذه الحروب، وأنها كانت هدفاً ولا تزال لقوى دولية وإقليمية طامعة، دفعت جماعات إرهابية بعضها تابعة لها، والبعض الآخر يتعاون معها، والبعض الثالث ينفذ مخططات بوعي على الأقل من قادة تلك الجماعات، ودون وعي من أعضائها الذين أمكن السيطرة على أفكارهم.
هذه القوى الدولية والإقليمية التي تشن حرباً لا هوادة فيها ضد المملكة، هي ما توصف بحرب الوكالة، أما من هي الجهة المسؤولة عنها، فهي الجهة المستفيدة والتي لا يخطئ أحد بالوصول إليها.
النقطة الأخرى التي فهمناها من بيان الوزارة وأجوبة المتحدثين في المؤتمر الصحفي، أن تنظيم داعش لا يقوم بهذه الأعمال الإرهابية وحده، فهناك جهات من خارج الحدود توجه عملياته وترسم له الخطط، وتحدد مواعيد التنفيذ ومواقعها، إضافة إلى ذلك فإن هناك (قيادة افتراضية) أقامت مواقع للسيطرة والتوجيه، أشبه ما تكون بالمواقع التي تقيمها الجيوش وقوات الأمن لتوجيه قواتها.
مواقع داعش الافتراضية التي توجه عناصرها الإرهابية، والتي أوجدت شبكة متداخلة من المواقع استطاعت من خلالها ربط أعضاء التنظيم من خلال المواقع الالكترونية، وقد أظهرت تحقيقات وزارة الداخلية السعودية أنهم كونوا خمس قيادات فرعية ترتبط بالقيادة المركزية التي توجه عناصرها من خارج الحدود، قيادات تختص بالتنظيم، وأخرى في تصنيع الأحزمة الناسفة، ومثلها للمراقبة والرصد والتوجيه، وواحدة لتوثيق وتصوير العمليات للاستفادة منها في الترويج للتنظيم، وأخيراً إقامة معسكر تدريب افتراضي يستخدم آخر ما وصلت إليه تقنية المعلومات لإكساب العناصر الإرهابية الخبرة ورفع القدرة القتالية.
هذا المستوى من الإجرام والتطور في الفكر الإرهابي كان لابد من مواكبته أمنياً وهو ما استطاعت القوات والأجهزة الأمنية السعودية الوصول إليه، سواء من خلال اختراق الجماعات الإرهابية أو تطوير قدرات أفرادها في التعامل مع تقنية المعلومات، ومعرفة ما يتم عبر قنوات المواقع الالكترونية، وهو ما يعرف بالحرب الوقائية في هذه الحرب الكونية الرابعة.
والحقيقة أن ما أنجزته الأجهزة والقوات الأمنية يعد عملاً جيداً واحترافياً، بل وغير مسبوق لكل الدول التي يهزها عمل إرهابي أو جريمة لشخص أو اثنين فما بالك بتنظيم عصابي مركب من 431 إرهابيا تخدمهم جهات دولية وإقليمية توجههم وترسم لهم تحركاتهم.