محمد آل الشيخ
بعد خطبــــة المرشد الإيراني «علي خامنئي» العدائية والاستفزازية في عيد الفطر، صرح وزير الخارجية الأمريكي لقناة (العربية) الفضائية قائلاً: (التصدي لممارسات إيران وتدخلاتها وهي دولة غير نووية، أكثر سهولة من فعل ذلك وهي دولة نووية).. وهذا - يا سيد كيري - ما نحاول أن نشرحه لكم وللرئيس «أوباما» وللدول التي وقَّعت مع إيران (اتفاقية التفريط) الغبية بأمن واستقرار حلفائكم؛ لكنكم تكابرون وتغالطون، وتصرون على أن هذه الدولة الشريرة ستتغير، وتحترم سيادة الدول الأخرى وأنظمتها، وأصول التعاملات الدبلوماسية في المجتمع الدولي، عندما يتنفّذ ويتمكّن - كما تتوهمون - من تسمونهم (الإصلاحيين) الذين تراهنون عليهم، ويضعف بالتالي نفوذ (المتشددين).. غير أن المرشد، وهو الرجل الأول في النظام الإيراني، والذي يُمسك بيده كل خيوط صناعة القرار، أبى إلا أن يحسم الجدل، ويؤكد أن تدخلاتهم العدوانية في شؤون العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، ستستمر، ولن تتغير بعد توقيع الاتفاق النووي، واضعاً كل من راهن على التغيّر الإيراني، وفي مقدمتهم الرئيس أوباما وإدارته، في (خانة اليك) كما يقولون.
من الواضح أن هناك توزيعَ أدوار بين صُنّاع القرار الإيراني، والهدف واحد في النتيجة؛ فالمرشد ومعه الحرس الثوري (يُصعِّدون) في خطاباتهم، وبجوارهم رئيس الجمهورية «روحاني» ومعه أركان حكومته (يُهدِّئون)، ويدعون إلى الحوار والتفاهم بدل التصعيد والمواجهة.. ومن خلال توزيع الأدوار، واللعب على الطاولة بخطابين، غاية في التناقض، استطاعوا بالفعل أن يذرّوا الرماد في العيون، وأن يمرروا ما أرادوا تمريره، على الدول الست الأقوى، التي وقَّعت معهم الاتفاق، وبه سيتحرر الإيرانيون من المقاطعة الاقتصادية، ويستردون عشرات المليارات من الدولارات، وينفقونها - كالعادة - على مغامراتهم وتدخلاتهم في دول الجوار وغير الجوار، ولن يصل منها للإنسان الإيراني إلا القليل.
لذلك، فليس أمام المملكة ودول الخليج، إلا أن نُعامل إيران بالسلاح الذي يستخدمونه، وأعني هنا بوضوح (التدخل في شؤونهم الداخلية)، ومواجهة غطرسة الطاووس المعمم الإيراني، بذات الأسلوب، فهم على ما يظهر لا يفهمون إلا لغة القوة والحزم، التي تعاملنا معهم بها في اليمن، ولم يستطيعوا أمامها إلا الجعجعة والتهديدات الكلامية الفارغة، ثم لم نرَ من تلك التصريحات العنترية إلا الإذعان للأمر الواقع وهم صاغرون؛ وها هي انتصاراتنا في اليمن تتوالى، وهم لم يحركوا ساكناً حيالها؛ فالإيرانيون إذا رأوا الجدية والقوة والمواجهة، والتعامل معهم بحزم وعزم لا يلين ولا يتراخى ولا يكل ولا يمل، تختلط أوراقهم، ويؤثرون السلامة.
صدِّقوني أن إيران من الداخل تحمل في مكوناتها المذهبية والانتماءات القومية المتنافرة والمتخاصمة، ما يجعلها دولة هشة، أقرب إلى كومة قش ضخمة، كل ما تحتاجه مجرد أن تقدح شرارة لترتفع ألسنة اللهب إلى عنان السماء؛ فمن القوميات العرب والأكراد والبلوش والآذاريين، وكلها قوميات مهمَّشة أمام القومية الفارسية المتسلطة؛ ومن المذاهب هناك سُنَّة إيران، الذين يعانون الأمرَّين من مصادرة حرياتهم الدينية، وحقوقهم المدنية؛ فضلاً عن الفئات السياسية الليبرالية المهمَّشة منذ أن وصل الملالي إلى السلطة.. وكل هذه القوميات والمذاهب والفئات السياسية المتخاصمة، يبحثون (فقط) عن الدعم والتمويل والإعلام، وهم من سيُلقنون هذا المرشد العدواني المتغطرس، درساً في كيفية سياسة الدول والحصافة في الخطاب؛ عندها سيدرك الإيرانيون معنى الحكمة التي تقول: (من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة).. فالخامنئي ومن لفَّ لفيفه، ممن هم ممتلئون بالأحقاد التاريخية، والطائفية، والمهووسون بالتوسع والتمدد، لن يرعووا، ويتركوا عنهم مغامراتهم، إلا حينما يشعرون بالأرض تهتز تحت أقدامهم، وبإيدينا فعل ذلك؛ أما الاعتماد على المجتمع الدولي، والركون إلى ما يقول أقطابه، فهو ضرب من ضروب التفريط بأمننا واستقرارنا.
إلى اللقاء.