د. عبدالواحد الحميد
لا تخلو البيئات الحكومية في أي بلد من بعض الممارسات الفاسدة التي تتفاوت حدة تفشيها من بلد لآخر، لكن المهم هو وجود من يتعقَّب الفاسدين بهِمَّة صادقة وما يملكه من «الأدوات» التي تُمكِّنه من تعقب الفاسدين لكي ينالوا عقابهم العادل.
ولا أشك لحظة واحدة في صدق نوايا مسؤولي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» ورغبتهم الأكيدة في تعقب الفاسدين والقضاء على الفساد، لكنني أتساءل عما إذا كانت الهيئة تملك «الأدوات» التي تُمكنها من تحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها.
نحن نعرف أن «نزاهة» تخاطب الجهات الحكومية للاستعلام، مثلاً، عن أسباب تعثر المشروعات وعن معلومات أخرى تحتاج الهيئة إلى معرفتها لكي تمارس عملها في مكافحة الفساد؛ فهل تتجاوب معها جميع الجهات الحكومية بالقدر الكافي من الجدية!؟
ربما أن ما نشرته جريدة الوطن مؤخراً على لسان مصادر خاصة عن تلكؤ بعض الوزارات في الرد على استفسارات الهيئة يعطينا الإجابة. تقول مصادر الصحيفة: إن «بعض الردود التي تتلقاها نزاهة لا ترتقي إلى أهمية ملاحظاتها حول تعثر مشاريع اعتمدت لها مبالغ كبيرة من موازنات تلك الوزارات، وأن ردوداً تلقتها الهيئة تضمنت اكتفاء الوزارة المعنية بتبرير التعثر بأسباب غير مقنعة، دون أن تحدد الوزارة الجهة والأشخاص المسؤولين عن هذا التعثر».
لماذا تتستر بعض الجهات الحكومية على المتسببين في تعثر المشاريع ولماذا لا تقوم تلك الجهات بإجراء تحقيقات كافية معهم سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أو معنويين؟ وهل فعلاً أن ما تقوم به تلك الجهات هو مجرد تبريرات غير منطقية؟ ولماذا تلجأ إلى التبريرات في المقام الأول؟
أعتقد أن على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» أن تعود إلى نظامها لتعرف إن كان هذا النظام يمنحها الصلاحيات الكافية لمكافحة الفساد في الأجهزة الحكومية؛ فإذا كان النظام يمنحها الصلاحيات حقاً فإن عليها ممارسة صلاحياتها دون أن تنتظر من الجهات الحكومية أن «تتكرم» عليها بالتجاوب، وإن كانت لا تملك الصلاحيات الكافية فيجب عليها أن تطلبها مِمَّن يستطيع أن يعطيها إياها وإلاَّ فلا أمل في مكافحة حقيقية للفساد.
هذا ما يتوقع المواطنون من «نزاهة» أن تقوم به وليس الإعلانات التوعوية عن مكارم الأخلاق، وقد مر من الوقت منذ إنشاء «نزاهة» ما يكفي أن يكون لها دور واضح وملموس في مكافحة الفساد.