هاني سالم مسهور
ما إن تحررت مدينة عدن في الرابع عشر من يوليو حتى تقافزت أسئلة مشروعة حول ما تمتلكه عدن من خصائص مكنتها أولاً على الصمود 109 يوم منذ انطلاق عملية «عاصفة الحزم» في الخامس والعشرين من مارس المنصرم، ثم ما هي المقومات التي مكنت المقاومة الشعبية فيها من حسم المعركة والتحول المفاجئ من حالة الدفاع إلى الهجوم..؟؟، أسئلة مثارة وتستحق البحث فيها، فالمقصد أن عدن هي مفتاح اليمن، وما حدث في عدن كيف يمكن توسيع نطاقاته على مدى أوسع وأكثر شمولاً.
قبل تحرير مدينة عدن تحررت الضالع، وكلتاهما ينتميان جغرافياً إلى الجنوب من اليمن، حيث دارت أكثر المعارك شراسة على يد الانقلابيين الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح، والضالع التي عُرفت تاريخياً بتمرس رجالها في الحرب، امتازت أيضاً بعدم عنصريتها القبلية، وهذا ما جعلها تتواصل مع واحدة من أهم القبائل في عموم الجزيرة العربية وهي قبيلة «يافع» التي تتمركز في المحيط المحاذي بمدينة عدن.
الدور القبلي كان وسيبقى واحداً من أهم الأدوار في حسم معركة «عاصفة الحزم» و»إعادة الأمل»، بل إن الدور القبلي ركن من أركان العملية العسكرية وكذلك السياسية في اليمن نظير ما تمثله القبيلة في التركيبة الاجتماعية اليمنية، وما يعول على القبائل هو بمقدار قوتها وقدرتها على التأثير وكذلك التغيير في معادلة الحرب الدائرة، وما هو مطلوب منها في دعم الحكومة الشرعية وإسقاط التآمر الخارجي على اليمن.
لذلك لا يمكننا أن نتجاوز دور القبيلة فيما أنجز على أرض الواقع في الضالع أولاً ثم في مدينة عدن والذي شكلت فيه قبيلة يافع الداعم الأهم في إنجاز المعركتين معاً، فهذه القبيلة التي تتفرع على عشرة مكاتب أخذت على عاتقها العمل على توزيع أدوار مختلفة في نطاقات الحرب عبر ما تمتلكه من الرجال الذين عملوا على كل الأطراف المختلفة وفق ما تمتلكه من أرضية تتمكن من التحرك فيها.
نجحت «يافع» من الإسهام الفاعل في مسألة مهمة تتمثل في قدرتها على إيجاد منافذ آمنة عملت على مسارين مختلفين، الأول هو تمكين الآلاف من الأسر للخروج من مدينة عدن إلى حضرموت مع بداية هجوم الحوثيين في مارس 2015م، ويقدر عدد الأسر النازحة بثمانين ألف أسرة لعبت فيها القبيلة اليافعية دوراً مهماً من خلال الجمعيات الخيرية التي شكلت إطار الحركة.
المسار الثاني هو أن أفراد القبيلة وخاصة من خلال «جمعية أحمد عبدالحكيم السعدي» نجحوا في إمداد الجبهات القتالية بالغذاء والسلاح من خلال أن هذه الجمعية كانت تشتري كميات من الأسلحة من القبائل الأخرى في مناطق مختلفة من اليمن وترسلها للجبهات المشتعلة بالمعارك، كما أن هذه القبيلة هي واحدة من القبائل الأكثر تضحية بأبنائها منذ «عاصفة الحزم».
إن التعويل على دور القبيلة في تحقيق الانتصار المطلوب لا يكون بغير أن تقوم القبائل اليمنية بدورها الحتمي لمواجهة الانقلابيين الحوثيين وصد المشروع الإيراني الخطير الذي إن تهاونت فيه القبائل اليمنية سيكون ثمن الخلاص منه باهظاً من البنية اليمنية وتركيبتها بل وحتى كينونتها وعمقها الذي سيفقد الكثير من الخصائص للمجتمع القبلي في اليمن.
ما تمتاز به القبائل اليمنية من انتمائها والتزامها بأعرافها وقيمها وخصالها وموروثها العربي الأصيل يعد الركيزة التي لابد وأن يتم تسخيرها لإخراج اليمن بشقيه الجنوبي والشمالي من غياب الدولة إلى دولة عبر ما تمثله الحكومة الشرعية التي حصلت على شرعيتها السياسية بموجب المقررات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن وعلى رأسها القرار 2216.
اليمن على أبواب حريته ودولته عبر ما يمتلك من العمق القبلي الذي أثبت في مرحلة من التاريخ السياسي أنه حاضن للدولة المدنية كما حدث في ثورة التغيير 2011م، وكما حملت قبيلة يافع على عاتقها مسؤوليتها التاريخية تجاه تحرير جغرافيتها ومحيطها والمساهمة الحقيقية في صد العدوان الحوثي ومواجهة الخطر الداهم، هذا مجرد أنموذج من النماذج التي نجحت، ومؤكد أن هنالك نماذج أخرى في طور تحقيق نجاحات على الأرض التي لا يجب أن تكون مرتهنة لمشاريع طائفية أو إقليمية.