محمد الخنيفر
عندما عاد «تيم كالين» إلى واشنطن، بعد نهاية المشاورات السنوية بين صندوق النقد الدولي ووزارة المالية، كان رئيس البعثة الدولية يدرك أن أكبر اقتصاديات الشرق الأوسط باتت أكثر قرباً من أي وقت مضى نحو العودة لطرق باب أسواق الدين مرة أخرى. بعدها بأيام نجحت المملكة في إغلاق أول سندات لها منذ 2007. ما نعرفه حتى الآن هو أن البنوك الإسلامية لم تكتتب في الإصدار؛ لأن تلك الأوراق المالية ليست بالصكوك. وما نعرفه أيضاً أن تلك الإصدارات السيادية سوف تستمر هذه السنة، وأن الخيارات باتت مفتوحة نحو اللجوء للصكوك. ما لا نملك إجابة عنه هو ماهية الشروط المالية لتلك السندات، وآجالها، وتسعيرها، ونوعية المستثمرين الذين اكتتبوا فيها. حاولت الاستعانة بأكبر قاعدة موثوقة للبيانات المالية لدى بلومبرج، ولكن بدون جدوى. وعليه فكل الرسومات البيانية التي تم إيرادها في هذا التحليل (من بلومبرج) لم تأخذ في اعتبارها إصدار الـ15 مليار ريال الحديث.
من دون شك، إن هذا الإصدار السيادي يحمل ملامح الطرح الخاص (Private Placement)، وهو البيع المباشر إلى 3 أو 4 مستثمرين. وهذه النوعية من الإصدارات لا تطرح للجمهور، ولا يسمح بإعلانها. ولا يتم تسجيل تلك الإصدارات أو حتى كشف تفاصيلها. يرى جون سفاكياناكيس مدير الشرق الأوسط في مجموعة أشمور لإدارة الثروات في تصريح للفايناشل تايمز أن تلك السندات كانت متوسطة إلى طويلة الأجل، وتم تسعيرها بين 25 و30 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية. في حين تبدو مصادر رويترز أكثر دقة، وذلك بعد أن تمكن مراسلها من التواصل مع إحدى المؤسسات التي اكتتبت بالإصدار السيادي السعودي. وكشفت المصادر أن آجال الإصدار الأول قد وصلت لـ7 و10 سنوات، وأن العائد قد وصل إلى 2.57 و2.88 %. المفاجأة التي جاءت في ثنايا التقرير أن ذلك الإصدار قد اكتتب به مؤسسات سعودية شبه سيادية (بخلاف ما تم إيراده في وسائل الإعلام من أن البنوك المحلية قد اكتتبت بتلك الأوراق المالية النادرة).
متانة الهيكل المالي للاقتصاد القومي
قبل أن يفكر المستثمرون بشراء السندات السيادية فإنهم في البداية ينظرون إلى «نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي»، أو ما تعرف اختصاراً بـ(Debt-to-GDP). ويقيس هذا المؤشر مستويات الاقتراض لأي دولة مقارنة بحجم اقتصادها. فكلما زادت نسبة الدين على الحد الطبيعي أصبحت الدولة أقرب للتعثر. فعلى سبيل المثال: تصل نسبة الدين الحكومي في اليونان إلى 169 % من إجمالي الناتج المحلي. في حين نرى أن المملكة قد أولت جل اهتمامها نحو تعزيز متانة الاقتصاد القومي. وليس أدل على ذلك عندما نعرف أن بلادنا تمتلك أقل «نسبة دين إلى الناتج القومي» في العالم. وحتى هذا العام كانت السعودية تركز على سداد دينها العام الذي بلغ إجمالاً 44 مليار ريال بنهاية عام 2014، أو نحو 1.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. إذاً، فالأرقام كلها تثبت أن السعودية تملك حيزاً آمناً وكبيراً للمضي قدماً نحو إصدار أدوات الدين السيادية.
مقتطفات
o من شأن التوجه الحكومي نحو أدوات الدين أن يُقزم جميع الإصدارات السابقة. فبنهاية 2014 بلغت إصدارات السعودية من الصكوك (بغض النظر عن نوع العملة) 7.8 مليار دولار.
o من شأن تلك السندات السيادية أن تمنح البنوك السعودية موجودات عالية التصنيف، التي تحتاج إليها للوفاء بمتطلبات السيولة بازل 3.
o ستساهم تلك الإصدارات السيادية (ذات الآجال المتباينة) في خلق أسعار إرشادية، ووضع منحنى للعائد (Yield Curve)، يحظى بقبول واسع لدى الشركات، ولاسيما عندما تحاول الأخيرة تسعير صكوكها.