د.موسى بن عيسى العويس
يبدو أن الصراع في أرض العراق وسوريا وما جاورهما بدأ يأخذ مساراً آخر بين الفصائل التي كانت في يوم من الأيام تحت راية واحدة، أو على الأقل تتظاهر بذلك أمام الرأي العام، والبسطاء من الناس، ثم انفصلت هذه الفصائل لأسباب عديدة، منها السياسي، ومنها الاختلاف في منهجية الفكر، ومفهوم الجهاد، والرؤية السياسية للمستقبل والمشاركة فيه، والمحور الأخير بلا شك هو المحرِّك والدافع للصراع، رغم التظاهر بسواه
فالدين في عُرْف البعض هو أجدى الوسائل، لتحقيق الأهداف والغايات.
* والتحول في الصراع وإدارته على هذا النحو قد يكون طبيعياً في بعض الظروف، وقد يكون مدروساً وممنهجاً ومخططاً له من حيث التوقيت من الجهات المستفيدة من اضطراب الأوضاع في المنطقة.
* الكل تابع وسمع في الفترة الماضية عن اندلاع الصراع بين الدواعش وجماعة النصرة، حيث بدأت بوادر التصفيات فيما بينهم، ليخلو الجو ومسرح العمليات في العراق وسوريا لفئات أخرى لا يعلم لمن ستكون تبعيتها، وستمارس أدوارها في الإبادة وبث الفرقة والفوضى، والقتل والتشريد والتنكيل ربما بفئات لليس لهم صلة بما يحدث.
* لم يكن يخطر على بال أحد من هذه الفئات من أبنائنا الذين خرجوا لبؤر الصراع بذريعة الجهاد، ومقاومة المحتل أنهم سيلتقون وجهاً لوجه، ليتقاتلوا فيما بينهم، أما القيادات الخفية فهي تقف موقف المتفرج أمام كل ما يحدث..كل طرف من أطراف النزاع مسيّر وليس مخيّراً في هذا الواقع وسوء المصير، ومن المؤكد أن القاتل قتل ابن جلدته ولا يعلم لماذا قتله؟
* فيما مضى كانت الأهداف التي يتم تفجيرها محصورة في أماكن الصراع بين الطوائف، أما اليوم فنجد أنه ينتقل إلى أقطار أخرى، والخوف كل الخوف وقد بدت بعض البوادر أن يعود هؤلاء إلى بلدانهم، وهم يحملون إرث الانتقام بين هذه الفصائل والأحزاب والجماعات والتنظيمات، فتبدأ ممارسة التصفيات في بلدانهم التي خرجوا منها ما لم تكن الأجهزة المعنية في بلدانهم على يقظة ووعي كامل بهذا التحول، وتعلن عليه حرباً لا هوادة فيها.
* للأسف التاريخ العربي حافل بأحداث جسام، وصراعات في مثل هذا النوع الذي ابتليت فيه بعض الأقطار العربية والإسلامية على مر التاريخ حتى أصبحت هذه الظواهر أمام الأجانب، وكأنها للأسف أحد مخرجات ثقافتنا وأيدلوجياتنا.
* هذا التطور أو التحول في الصراع المعاصر، وما آل إليه ربما يكون غير وارد في ذهن الكثير منا، الذين ينساقون خلف العواطف والشعارات دون تفكير في عواقب الأمور، وما الذي سيجر إليه هذا الفكر المتطرف من عواقب وخيمة؟
* لقد بدأ وبشكل تدريجي كشف الخطة الممنهجة للقيادات الفكرية لهذه الفصائل أو التنظيمات، إذ شاهدنا وسمعنا كيف خطط بعض أفراد خلاياهم النائمة لقتل ذوي القربى منهم، معتقدين كل الاعتقاد أن الجهاد الحقيقي يبدأ بتصفية أقرب من تربطك بهم أواصر النسب، وبالتالي طبيعي أن يبدأ التفكك تدريجياً على مستوى الأفراد، والأسرة، والمجتمعات، وربما هذا هو ما يسعى إليه المتربصون.