قاسم حول
إذا كان من إيجاب في كيان أمريكا شع على العالم منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم فهما أمران «توماس أديسون» و»هوليوود» وكلاهما مرتبطان ببعضهما، فتوماس أديسون الذي اخترع الكهرباء الذي ساهم في تحريك الصورة عبر جهاز «الكنتوسكوب» ساهم بشكل مؤكد في تأسيس شركات الإنتاج السينمائي على تلال أشجار «الهولي». وحين نشأت السينما الأمريكية وتطور بشكل متسارع نظام الإنتاج واستكملت شروط بناء القاعدة المادية للإنتاج السينمائي فأن العالم تأثر بهذه الفن وهذه الصناعة، فغزت مخابر التحميض والإظهار استوديوهات السينما في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا والهند ومصر. ومن مصر انتشر الفيلم العربي وصار يعرض في صالات السينما التي شكلت أولى مدارس الثقافة السينما، وهي مدارس فن الاستقبال والمشاهدة والتلقي. ولعبت هذه الصالات دورا في نشأة ثقافة الإنتاج السينمائي. وأتذكر في عام 1961 في العراق تم شراء أهم جهاز للمؤثرات البصرية وهو جهاز «الأوكزبري» بسعر لم تتمكن البلدان العربية من دفع ثمنه فتميز العراق بهذه الصناعة إلى جانب ازدياد صالات السينما الحديثة ذات الإبهار الارستقراطي الذي يفرض على المتلقي شروط المشاهدة، فلعبت هذه الصالات السينمائية دوراً هاماً في الارتفاء بمستوى الذائقة لدى جمهور المشاهدين في العراق. وقد لعبت صالات السينما دورا ليس فقط في نشر وعي الثقافة السينمائية بل أدت إلى إنشاء استوديو بغداد وكان أهم استوديو سينمائي في الشرق الأوسط وذلك عام 1946 وزود بكافة مخابر الإنتاج والصوت والمونتاج. وهذه هي طبيعة العلاقة العضوية بين تقاليد المشاهدة وحوافز الإنتاج.
لقد تطورت فكرة الإنتاج السينمائي في العراق وسرت نحو بلدان عربية أخرى فنشأت سينما في سوريا وأخرى في لبنان، ومع نوعية ومستوى صالات السينما اللبنانية أنشأ أصحاب الرساميل اللبنانية استوديو «بعلبك» وكانت بلدان المغرب العربي المتأثرة بالثقافة الفرنسية تضع برامج الإنتاج السينمائي حتى منحت فرنسا مركزها الثقافي إلى مؤسسة ثقافية غير ربحية إلى رجل الأعمال السينمائي والإعلامي طارق بن عمار فأنشأ استوديو «كونتا» وإلى جانبه مدينتين للسينما وفي المغرب تأسس المركز الوطني للسينما وأنشأت في مدينة «ورزازات» مدينة سينمائية.
كل هذه الإنجازات السينمائية لهوليوود الفضل الأكبر فيها حيث ترك الفيلم الأمريكي تأثيره على السينما العربية وخاصة مرحلة أفلام المجتمع الأمريكي.
وفي أوج ازدهار المشاهدة السينمائية في مساحات الوطن العربي وفي أوج ازدهار الإنتاج السينمائي العربي. حصلت مجموعة من المتغيرات السياسية في المنطقة العربية أولها ثورة يوليو تموز في مصر بقيادة محمد نجيب وعبد الناصر ومنهما سرت عدوى الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية. فنشأت دكتاتوريات تحمل أبعاد الفكر القومي وبشكل قسري يشبه هتلر في فرضه العنصر الآري على البشرية وهي رؤية تقترب من الفاشية.
لعبت أمريكا دورا في إنهاء هذه الدكتاتوريات لاعتقادهم بأنها تشكل خطرا على المجتمعات الأوربية وعلى أمريكا بالذات تحت ذريعة الخوف من التسلح بأشكال الأسلحة المحرمة ومنها الأسلحة البيولوجية والجرثومية. إن التخلص من الدكتاتوريات التي فرضت نفسها على مجتمعاتنا بالانقلابات العسكرية ظاهرة إيجابية ولكن أن تحل محل هذه الدكتاتوريات نظم سلفية متأخرة فإنها حالة تراجع ثقافية واجتماعية، لأن أول ما أقدمت عليه هذه النظم هي تحريم الثقافة، والمقصود السائد بالثقافة هي الثقافة الأدبية والفنية التي يعتقدون أنها تخرب المجتمع وتفسده، في وقت يعم الفساد كل أجهزة الدولة حتى بات الفساد كلمة مرادفة للسرقة ونهب ثروات المجتمع.
شهرت هذه النظم سيوفها في إعلان الحرب على هذه الثقافة وأول الخاسرين هي السينما إنتاجا ومشاهدة، فتم تهديم صالات السينما في المنطقة أو ساد الكساد سوق المشاهدة السينمائية فبيعت صالات السينما لشركات استيراد المواد البلاستيكية ورميت كل علب الأفلام الكلاسيكية في المزابل وحرقت الكثير من الأفلام السينمائية «ليبيا مثالا صارخا» ثم يأتي العراق، وفي مصر تقلصت فيها المشاهدة السينمائية.
السؤال إذا كانت عملية تغيير الدكتاتوريات ضرورية فلماذا يحصل التغيير نحو الأسوأ ما يجعل الشعوب تعيش حقبا جديدة من التخلف والتأخر حتى تبدو وكأن أمريكا التي أنشأت هوليوود الجميلة ترمي كل «بكرات» السينما في الشوارع وتخرج منها أفلام السليلويد، ويخرج من هذه الأفلام مارلون براندو وكريس كيلي وأفا كاردنر وجيمس دين وكلارك كيبل وجريجوري بيك وكل نجوم هوليوود، يخرجون من علب الأفلام خائبين يجرون أذيال الهزيمة عائدين إلى هوليوود يعاتبون بوش وكلنتون وأوباما أخيرا، قائلين لسكنة البيت الأبيض «ماذا صنعتم بنا»؟