فضل بن سعد البوعينين
أجزم أن التجمعات الصناعية الكفؤة هي الخيار الأمثل لتحقيق أهداف الإستراتيجية الصناعية الوطنية، فهي مفتاح التنمية للمناطق الواعدة، الداعمة للاقتصاد، والمحققة لتنوع الإنتاج، والقادرة على خلق مزيد من الوظائف النوعية، ذات الأجور المرتفعة، والفرص الاستثمارية.
أثبتت التجارب الأميركية، الصينية، اليابانية، الكورية، والأوربية أن التجمعات الصناعية هي قاعدة الإنتاج المستدام، والتطور التقني، متى ما توفرت لها مقومات النجاح. وأحسب أن التخطيط الإستراتيجي، المرجعية الموحدة، الاستقلالية، والإدارة الكفؤة يشكلون فيما بينهم قاعدة نجاح الهيئات المشرفة على التجمعات الصناعية.
مدينة جازان الاقتصادية من المدن المتخصصة الهادفة إلى توطين الصناعة، وتنوع الإنتاج، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. بالرغم من أهمية المدينة التنموية، إلا أنها ووجهت بتحديات تنفيذية كُبرى منذ إقرارها العام 2006، ولولا تدخل وزارة البترول والثروة المعدنية وأرامكو السعودية لإنقاذ المشروع الإستراتيجي، للحقت مدينة جازان بشقيقاتها المتعثرات في المناطق الأخرى. إنجاز أرامكو للمصفاة، ومحطة توليد الطاقة وجزء مهم من البنى التحتية أحيا المشروع، وأزال بعض معوقاته الكبرى. تحمل أرامكو أعباء الإنشاءات البعيدة عن تخصصها، برغم كفاءتها وقدراتها الإدارية والتشغيلية، قد يؤثر على نشاطها الصناعي الرئيس، الذي يحتاج منها التركيز النوعي، بعيدا عن مهام تنمية وإدارة المدن الصناعية. إضافة إلى ذلك فتشغيل وإدارة المدن الصناعية في حاجة إلى هيئة مستقلة وذات خبرة واسعة في إنشاء وإدارة وتشغيل المدن المتخصصة، ما دفع بالحكومة للبحث عن حلول دائمة لمواجهة تحديات المدينة الاقتصادية.
كتبت في مقالة سابقة، ما نصه: «نحن في أمس الحاجة للتجمعات الصناعية الكفؤة القادرة على تحقيق التنمية الصناعية في المناطق الواعدة، شريطة أن تستنسخ تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، بجميع جوانبها. التركيز على نوعية الصناعات المستهدفة سيختصر الزمن، في الوقت الذي ستدعم فيه مركزية جهة الإشراف الشامل مقومات النجاح. لذا أشدد على أهمية الاستفادة من الخبرات التي عاصرت التنمية الصناعية الأولى، والتي أسهمت في تحويل الحلم إلى واقع معاش، فهي أكثر من يستطيع تحقيق الأهداف الصناعية الطموحة، والقادرة على جمع شتات الإستراتيجية الصناعية الوطنية تحت مظلة واحدة تضمن لها النجاح».
جاء تكليف «الهيئة الملكية للجبيل وينبع» بإدارة وتشغيل «مدينة جازان الاقتصادية»، متوافقاً مع الحاجة، ومعززاً نهج التخصص في إدارة المدن الصناعية والاقتصادية، وفق رؤية إستراتيجية تجعل من الهيئة الملكية ذراعاً تنموية حكومية مسؤولة عن إدارة المدن الصناعية في المملكة، وهو توجه حكيم يدعم التجارب الناجحة ويعززها، ويستثمرها في تحقيق التنمية وبناء الاقتصاد.
قدرات الهيئة الملكية وكفاءتها وخبراتها الواسعة في إنشاء وإدارة وتشغيل المدن الصناعية في الجبيل وينبع ورأس الخير سيعجل من إنجاز المشروع، وتذليل المعوقات، وسيسهم بشكل كبير في الاستفادة من تراكم الخبرات ونقلها إلى مدينة جازان الاقتصادية، وسيساعد أيضا في جعل منظومة المدن الصناعية والاقتصادية الرئيسة تحت مظلة واحدة، وهذا أمر غاية في الأهمية، خاصة ما يتعلق منها بالإستراتيجيات الاستثمارية التكاملية في المدن الصناعية.
أجزم بقدرة الهيئة الملكية على تحقيق النجاح في إدارة وتشغيل مدينة جازان الاقتصادية، والمدن الصناعية الأخرى شريطة أن تتوفر لها جميع متطلبات النجاح، وفي مقدمتها الموازنة المالية الكافية، إضافة إلى استقلالية قراراتها التنموية على كامل حدود المدينة التي كلفت بإدارتها دون تدخل من الوزارات، أو أي جهة اعتبارية أخرى.