محمد آل الشيخ
وأخيراً طرق «جون كيري» وزير خارجية أمريكا باب القاهرة، بعد سنوات عجاف من البرود في العلاقة بين البلدين، حاول أثناءها الأمريكيون أن يدفعوا ثانية بحلفائهم (جماعة الأخوان) الإرهابية إلى السلطة في مصر، بعد فشلهم الذريع أول مرة؛ والآن عادوا - على ما يبدو - إلى رشدهم، وإلى الموضوعية السياسية؛ في محاولة يبدو أنها جادة لإعادة (الدفء) للعلاقات المصرية الأمريكية؛ خاصة بعد زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع إلى القاهرة؛ فقد شعروا بعد هذه الزيارة الهامة أن ثمة حلفاً عربياً قوياً بدأ يتشكل بقوة بين الدول العربية الأقوى، في مواجهة الحلف الأمريكي الإيراني، الذي يتخوف العرب جميعاً، وليس الخليجيين فحسب، من تبعاته وانعكاساته على الأمن الإقليمي العربي، في ظل محاولات إيران لإثارة القلاقل والاضطرابات في دول الجوار، بغية تحقيق طموحاتها في السيطرة الإقليمية على دول المنطقة؛ ولعل آخرها المحاولة الإيرانية الدنيئة بتزويد إرهابيي البحرين الشيعة بالأسلحة والمتفجرات، والتي أجهضتها سلطات الأمن البحرينية، ما يثبت بشكل واضح وجلي أن إيران لن تثنيها الاتفاقية النووية مع الغرب، عن تصدير ثورتها إلى دول الجوار، لا سيما وأن هذه الحادثة جاءت بُعيد توقيعهم لتلك الاتفاقية؛ ولا شك لدي أن هذه الحادثة تحديداً، وفي هذا التوقيت بالذات، دفع بها الحرس الثوري الإيراني إلى السطح، ليثبت للإيرانيين أولاً، وللغرب ثانياً، ولعملائهم ثالثا، أن تلك الاتفاقية، لن تمنعهم عن تصدير ثورتهم كما هو ديدنهم قبل الاتفاقية.
الحلف السعودي المصري، كان موجهاً بصفة أساسية إلى الأمريكيين بعد اتفاقيتهم مع الإيرانيين؛ وهذا ما استوعبه الأمريكيون تماماً، فبادروا على عجل إلى احتوائه، من خلال تدفئة أجواء العلاقة الدبلوماسية مع القاهرة من جهة، ومن جهة أخرى، عقد وزير الخارجية الأمريكي اجتماعا مع وزراء الخارجية الخليجيين في الدوحة، في محاولة، يبدو أنها لن تكون ناجحة، لطمأنتهم بعدم انعكاس اتفاقيتهم مع إيران على الأمن الخليجي؛ إضافة إلى أن أمريكا لا تقلب ظهر المجن لحلفائها التاريخيين.
تصريحات خامنئي العدائية بعيد الاتفاقية النووية، وكانكشاف تزويد إيران لإرهابيي البحرين بالأسلحة والمتفجرات، ستجعل محاولات «جون كيري» تذروها الرياح، حتى وإن اقتنعنا - جدلاً - برهان الأمريكيين على التيار الانفتاحي المعتدل في إيران، فهذا التيار - رغم شكي في نواياه الحقيقية - أعجز من أن ينزع أنياب الحرس الثوري الذي هو الحاكم الحقيقي لإيران. ما يجعل الرهان على الإصلاحيين في صراعهم مع الأصوليين، مثل أن تراهن على أرنب وديع بأن ينتصر على أفعى شريرة، فالصراع من أساسه غير متكافئ منذ البداية؛ وإلا فالخليجيون يهمهم اعتدال الإيرانيين ربما أكثر من الغربيين أنفسهم؛ ولو كان رهان الغرب، يحمل أية نسبة ، ولو كانت متدنية، من النجاح، عندها سيكون الخليجيون أول من يرحب به ويصفق له، غير أن تلك الاتفاقية، ومعها مبررات توقيعها، هي في الواقع خليط من الأوهام والتفكير الرغبوي للأسف؛ فإيران بنيت وقامت وتأسست ليس لنصرة الإنسان الإيراني ولا خدمته، وإنما لنصرة الأيديولوجيا أولاً، ولن يكف الملالي الإيرانيون عن تصدير الثورة ومعها الفتن والقلاقل، إلا إذا فُرض عليهم العودة إلى حوزاتهم في (قم)، وتولى السلطة بدلهم ساسة معاصرون محترفون، يهمهم أولا مصلحة الإنسان الايراني وخدمته ورفاهيته.
الأمر الوحيد المطمئن في جولة وزير االخارجية الأمريكي الحالية أن الأمريكيين عادوا إلى رشدهم، وتخلوا عن (جماعة الإخوان)، وسحبوا البساط من تحت أقدامهم، ولم تعد الورقة الإخوانية، من ضمن أوراق الأجندة الأمريكية في مصر وفي المنطقة، كما كانت خلال حكم الرئيس أوباما، وهذا بكل تأكيد سينعكس إيجابياً على إضعاف هذه الجماعة الإرهابية المتأسلمة أينما وجدت، مما سيؤدي في النتيجة النهائية إلى محاصرة الإرهاب؛ فهم مصدروه وباعثو ثقافته ومن تحت عباءتهم خرجت كل فصائله جميعها على الإطلاق.
إلى اللقاء.