محمد آل الشيخ
عادت (عدن) عاصمة اليمن الجنوبي إلى الحكومة الشرعية، وما هي إلا أيام حتى سقطت (قاعدة العند العسكرية)، أهم قواعد اليمن الجنوبي، واتجهت قوات الجيش الوطني ومعها فصائل المقاومة الشعبية إلى بقية المحافظات في الجنوب، لتتوالى سقوط بقية المحافظات الواحدة تلو الأخرى. كانت قنوات الفرس الفضائية الناطقة بالعربية في لبنان، وكذلك في العراق، تدّعي أن قوى التحالف العربي بقيادة المملكة (متورطة) في اليمن، وها هي طلائع الجيش الوطني اليمني، ورجال المقاومة البواسل، يبدأون من الجنوب ملحمة الانتصار، فتبين لأولئك المزايدين والأفاكين وعملاء الفرس، أن المرحلة الثالثة من عملية تحرير اليمن المخطط لها جيداً، بدأت من الجو والبحر، وها هي تنتقل إلى البر، محرزة الانتصارات تلو الانتصارات على الأرض وفي مُدد وجيزة، وها هي عصابات الحوثيين وفيالق المخلوع يولون الأدبار، في مشهد يؤكد أن مرحلة جديدة من مراحل التاريخ اليمني السياسي، بدأت في التشكل؛ فليس ثمة محل بعد اليوم للعب بالولاءات القبلية، والانتماءات الطائفية، وتجييرها لخدمة هذا أو ذاك، كما كانت اليمن الشمالي في الماضي.
الرئيس صالح كان آخر الرؤساء العرب الذين قفزوا إلى سدة الحكم في ليلة مشؤومة كالحة السواد، ممتشقا كلاشينكوف، ومن على ظهر دبابة، فوصل إلى السلطة بانقلاب عسكري كما كان ديدن رؤساء الجمهوريات العربية؛ ومن أجل أن يحكم اليمن، كرس سلطة القبائل، ونفوذها، وتحالف مع الأقوياء منها، ثم وظف تحالفاته القبلية لمصلحة سيطرته على مفاصل السلطة في اليمن؛ غير أن هذه اللعبة لم تلبث إلا انكشفت، وانتفض الشعب اليمني على سلطته، وملأت المظاهرات الشعبية مدن اليمن وشوارعها، فتدخل الخليجيون منعا لانفلات الأمور، وتفاقمها إلى ما لا تحمد عقباه، فجاءت أولا (المبادرة الخليجية)، التي كانت حينها أفضل الحلول الممكنة لتجنيب اليمن الحرب الأهلية، وأخرجت صالح وعصابته من السلطة سالما بأقل الخسائر، وبضمانات يتمناها كل الرؤساء الديكتاتوريين اللصوص الذين أسقطتهم شعوبهم، غير أن هذا المراوغ الخداع، أصر على أن اللعبة لم تنته، وعاد، وانقلب على الحكومة الشرعية، وقلب طاولة الحوار على المتحاورين من مكونات الشعب اليمني، وتحالف مع عملاء إيران (الحوثيين)، وعاد، في انقلاب ظن أنه سيعيده وزمرته إلى السلطة، ويُعيد أغلب اليمنيين كما كانوا متخلفين، لا يخرج من أزمة إلا إلى أزمة، وأما اليمن ككيان وكدولة فيتجه بخطى حثيثة إلى (الدولة الفاشلة)، يكتنفه التخلف والجوع والفقر والعوز، تماما كما كان طوال فترة حكم «صالح» السابقة، التي امتد لأكثر من ثلاثة عقود.
هل تذكرون لقاء «أحمد علي صالح» بالأمير محمد بن سلمان في الرياض قبل أن يعلن خادم الحرمين، وقائد التحالف العربي، الملك سلمان بدء (عاصفة الحزم)، وكيف أن الأمير حذر «صالح الابن» من مغبة التمادي في الانقلاب، وقال له بالنص: (يجب أن تعرف أن عدن خطٌ أحمر)؛ غير أن غروره، وعدم قدرته على قراءة المآلات والتبعات جيدا، جعلته لم يحمل تحذيرات الأمير محمد على محمل الجد، وتمادى، فكانت (عاصفة الحزم)، التي حاصرت اليمن حصاراً محكماً، وعزلتهم فعلياً عن إيران، ودكت معاقلهم من الجو والبحر أولاً، فشلت القدرات العسكرية، ثم جاء دور القوات البرية، لترسم الانتصار على الجغرافيا اليمنية، وتعيد الأمور إلى نصابها، والشرعية إلى أصحابها.
الخط الأحمر الذي خطه الأمير محمد بن سلمان لأحمد علي عبدالله صالح، ها هو يبدو واضحاً جلياً على الأرض؛ فالأمير على ما يبدو إذا قال فعل، فقد كان رهان الرئيس المخلوع وولده، أن (مقولة الأمير) كانت مجرد (تخويف)، ولن تُقدم المملكة على أي عمل عسكري يجعلها في مواجهة إيران، غير أنهم وإيران معهم، ورهانهم على (تحمل) المملكة، وجنوحها للسلم، وكراهيتها للحرب، كان رهاناً خاطئاً؛ فهذه البلاد، منذ عبدالعزيز وحتى سلمان بن عبدالعزيز، إذا اضطرت إلى الحرب، فلتكن الحرب، وهذا بالمختصر المفيد ما حصل على أرض الواقع,
صحيح أن الحرب كانت مكلفة، ودامية، وكذلك كانت مدمرة، لكنها، وأنا أعني ما أقول، ستفتح آفاقا جديدة، كان التفكير فيها قبلها شبه مستحيل؛ والآن تغيرت أدوات اللعبة وكذلك تغير اللاعبون، وتخلص اليمن من أغلال القبلية المتخلفة، ومنطق الطائفية القادم من تلافيف التاريخ، مُبشرة بمولد (اليمن الجديد) المتمدن، بعيداً عن القبلية والطائفية.
إلى اللقاء..