د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
كتاب (العمدة في محاسن الشعر وآدابه) من أجلّ كتب البلاغة العربية وأشهرها، وقد وفق الدكتور محمد بن سليمان بن ناصر الصيقل في اختياره ليقيم عليه بحثه لمرحلة الماجستير، وهذا هو الكتاب الذي أصدره مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ضمن سلسلة الرسائل الجامعية بعنوان (البحث البلاغي والنقدي عند ابن رشيق القيرواني في كتابه العمدة)، وكانت سمعة الكتاب وصاحبه من دوافع الباحث إلى الكشف عن البحث البلاغي والنقدي فيه معززًا بما ثقفه الباحث من معرفة بالبلاغة العربية ودقائقها؛ ولكن الباحث حين شرع يقرأ ما كتبه المحدثون عن هذا الكتاب هاله ما قرأ، وما رأى “من بعضهم من أحكام تقويمية عامة، هي دون المستوى الحقيقي للعمدة وصاحبه”. بل إن بعضهم وصف ابن رشيق بأنه مجرد ناقل جامع، وهي نظرة سائدة عند كثير من المتخصصين؛ ولذا حاول الباحث جهده أن ينصف الكتاب وصاحبه، وسعى بمنهج وصفي تاريخي إلى أن يربط مفردات هذا الكتاب بأصولها عند سلفه وأثرها عند خلفه، وهو لا يكتفي بالعرض الوصفي بل يحقق ويقوم جهد ابن رشيق مناقشًا لبيان تأثره بمن قبله وتأثيره في من بعده وبيان مدى إضافته.
جاء الكتاب في مقدمة وتمهيد وستة فصول، ألم في تمهيده بالدراسات البلاغية والنقدية قبل ابن رشيق، وخصص الفصل الأول لابن رشيق نفسه لحياته ونشأته والتعريف به والعوامل المكونة شخصيته البلاغية النقدية، وجعل الفصل الثاني لكتاب العمدة في محاسن الشعر وآدابه، مبيناً الغرض من تأليفه ومادته العلمية ومنهجه في البحث البلاغي النقدي، مدونًا أبرز الملاحظات في المنهج وكاشفًا عن مصادره، وبدأ في الفصل الثالث بالدراسة المعمقة للقضايا البلاغية في كتاب العمدة وتقويمها، فعالج القضايا والمصطلحات، وألم بصور من البيان وفنونه، وببحوث علم المعاني ودلالاته، وبشيء من وجوه المحسنات البديعية المعنوية منها واللفظية، وأما في الفصل الرابع فشرع بالقضايا النقدية في كتاب العمدة وتقويمها، فوقف على الشعر وحدّه عند ابن رشيق، ومسألة التكسب بالشعر، وعمل الشعر وفنونه وأغراضه، وعالج قضاياه المشهورة وهي: اللفظ والمعنى، والطبع والصنعة، والقديم والجديد، ومشكلة السرقات، وانتهى من ذلك إلى الفصل الخامس حيث عالج البحث البلاغي والنقدي في العمدة من حيث الأصالة والتقليد، وعزز هذا الاتجاه في الفصل السادس عن العمدة ومنزلته عند النقاد، فعرض رأي ابن خلدون ثم آراء الدارسين المحدثين: المنصفين منهم وغير المنصفين، وأنهى الفصل برأيه في كتاب العمدة.
اعتمد الباحث في بحثه على طائفة كبيرة من المصادر والمراجع التراثية والحديثة، وقد أحسن الأخذ منها والصدور عنها، ومناقشة ما فيها من أقوال، وعمله مثال مدهش لما يتصف به الباحث الحق من الصبر والأناة وتلمس وجه الصواب من غير تحيز؛ وأما خاتمة الكتاب فموجزة مركزة أشار فيها إلى أبرز ملامح عمله موصيًا باستكمال دراسة كتاب العمدة لغويًّا وعروضيًّا، ودراسة كتب ابن رشيق الأخرى لاستكمال الصورة العامة عن جهود هذا العالم الجليل، وكذا دراسة شخصيته وشعره دراسة تفصيلية معمقة؛ ولذلك أرى عمل الدكتور محمد بن سليمان بن ناصر الصيقل من الأعمال المهمة في مجال الكشف عن البحث البلاغي والنقدي عامة، وعند ابن رشيق خاصة، وهو كتاب جدير بالقراءة في نظري.