سلمان بن محمد العُمري
قد يُهوّن بعض من خطر المخدرات في المملكة، ويتساهل أو يقلّل من عدم انتشارها ومصائبها، لكن الحقيقة التي لا مجال للتشكيك فيها أن هذا الخطر في تزايد مستمر على الرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققها الأجهزة الأمنية في قطع سبل وصول هذه السموم إلى البلاد وتشديد الرقابة على المنافذ، وملاحقة المهرّبين والتّجار وكل من يروجون أو يتعاطون هذه السموم. ولا شك أن الجهود الكبيرة التي تضطلع بها وزارة الداخلية بقطاعاتها المتنوعة كافة في أرجاء بلادنا الغالية، وتكشفها البيانات الإحصائية عن تزايد حجم جرائم المخدرات عمّا كانت عليه عاماً بعد آخر، وانتشارها في جميع مناطق المملكة، مع ارتفاع الكمّيات التي يتم ضبطها في مختلف الأنواع المخدرة يحتم على مؤسسات المجتمع وأفراده التعاون والتآزر لمجابهة تلك المخاطر الشريرة.
زيادة حجم المشكلة
إن وباء المخدرات طال شرائح المجتمع كافة، ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً، بما في ذلك الشرائح ذات المستوى التعليمي العالي، بل هناك من تورّط في المخدرات من الأثرياء وأبنائهم بسبب الإهمال واللهو والعبث واللامبالاة. وهذا مؤشّر خطير على زيادة حجم المشكلة وتفاقمها وضرورة العمل المستمر لتضافر الجهود وبذل كل المساعي لمحاصرة هذا الوباء القاتل والقضاء عليه.
نزجي الشكر والامتنان لرجال الأمن كافة ورجال مكافحة المخدرات خاصة على جهودهم التي تُذكر فتُشكر، ونجاحهم في حملاتهم الأمنية الاستباقية في الكشف عن مئات العمليات الإجرامية لمروّجي المخدرات بأنواعها، والتي قدّرت كمّيات مضبوطاتها بالملايين بمختلف أنواع السموم، وتقدّر قيمتها الماليّة بملايين الريالات، ولا يمكن إغفال رجالات الأمن في القطاعات الأخرى المساهمة في التصدّي للعناصر المجرمة كرجال المباحث العامة، والشرطة، والدوريات الأمنية، وأمن الطرق، والمجاهدين، وحتى رجالات المرور لهم دور في الكشف عند المخدرات عن قيامهم بحملات مرورية. وكذا حرس الحدود وبقية قطاعات وزارة الداخلية.
ناهيك عن القطاعات الأمنية الأخرى كوزارة الدفاع، والحرس الوطني، إضافة إلى جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الجهات الحكومية والمواطنين والمقيمين الذين يسهمون بالتعاون والإبلاغ عن كل ما هو خطر على أمن بلادنا.
وتعد إنجازات المديرية العامة لمكافحة المخدرات بارزة ظاهرة للعيان كما تكشفه الضبطيّات الكبيرة، وذلك وفق خطط علمية مدروسة لإحباط أي محاولات تهدف إلى تهريب المخدرات بأنواعها المختلفة إلى المملكة بترويجها داخل البلاد. وتكثّف المديرية جلّ وقتها وإمكاناتها في الحصول على المعلومات التي تعد الركيزة في انطلاقة جميع عمليات المكافحة في داخل المملكة وخارجها، باعتبار أن مشكلة المخدرات مشكلة عالميّة متعدّدة المستويات، ولابد من التعاون الدولي لأجل منع إنتاجها وتهريبها واستهلاكها.
مصلحة الجمارك
وعندما نتحدّث عن الجهات التي لها دور حيوي ومهم في مكافحة المخدرات لابد من الإشارة إلى مصلحة الجمارك التي تمكّنت بفضل من الله وحمده لوحدها وخلال عام واحد وتحديداً خلال الفترة من 26-6-2014 م إلى 16-6-2015 م من ضبط أكثر من 61 مليون حبة مخدّرة، وما يزيد عن 8 آلاف كليوجرامات من الحشيش المخدّر، و14 كليوجراماً من الهيروين، وستة كيلوجرامات من الكوكايين، وأربعة وعشرين كيلو جراماً من مادة الشبو.
وهذا الإنجاز يسجّل لمصلحة الجمارك ورجالها الأبطال وعلى رأسهم الرجل النشيط معالي الأستاذ/ صالح بن منيع الخليوي الذي حرص عدم إغفال (الجمارك) للجانب التوعوي والتثقيفي للتعريف بأضرار المخدرات، وذلك بإقامة المعارض النموذجية في بعض المنافذ الجمركية، والمشاركة في المعارض التوعوية بأضرار المخدرات مع القطاعات الحكومية الأخرى كافة.
وتسعى مصلحة الجمارك - والحديث للخليوي - في الاستمرار بالعمل على تنسيق الجهود على المستوى الداخلي مع القطاعات الأمنية ذات العلاقة، والدولي بالتعاون مع المنظمات والهيئات المتخصصة بمجال مكافحة المخدرات، وتبادل المعلومات المتعلّقة بالتهريب والمهربين، ومن أهمها منظمة الجمارك العالمية، وبالذات أن مصلحة الجمارك العامة تستضيف المكتب الإقليمي لتبادل المعلومات بالشرق الأوسط «ريلو» الذي يُعنى بتبادل المعلومات المتعلقة بأنشطة المهربين وتهريب المخدرات والمواد الكيميائية التحويلية وغيرها من المواد الممنوعة، وتقديم المساعدات الفنيّة لمكاتب الاتصال المحلية بالدول الأعضاء.
كما ركزت الجمارك على دعم العنصر البشري وذلك بتدريبهم بدورات متخصصة متقدمة من داخل المملكة وخارجها، باعتبارهم الركيزة الأساسية للعمل الجمركي.
دراسة علمية
وتزايد حجم مشكلة المخدرات في المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي يكشفها تورط شرائح المجتمع في تعاطيهم للمخدرات، وذلك في الدراسة العلمية الشاملة المعنونة بـ «تدابير خفض الطلب على المخدرات والمؤثرات العقلية»، والتي أصدرتها الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بإشراف من وزارات الداخلية بدول المجلس ومشاركة عدد من المختصّين.
فقد كشفت الدراسة عن تورط طلاب المرحلة الابتدائية بدول مجلس التعاون الخليجي بتعاطي المخدرات، حيث بلغ تعاطي المخدرات بين طلاب المرحلة الابتدائية بدول الخليج 10% فيما سجل 24% من التعاطي بالمرحلة المتوسطة وأن 36.6% في السنة الأولى الثانوية، و20% تعاطوا المخدرات بالسنة الثانية أو الثالثة، وأن 5.8% بدأوا بالتعاطي في الجامعة.
وبيّنت الدراسة أن النسب تختلف في كل دولة، حيث تبدأ من 5-10% بالتعاطي في المرحلة الابتدائية في البحرين والسعودية والكويت وقطر وعمان، بينما ترتفع النسبة إلى 25% بين المتعاطين بالإمارات. أما في المرحلة المتوسطة فتتراوح النسبة 13% في الكويت إلى 23% في الإمارات ثم 30-33% في السعودية وقطر والبحرين، أما عمان فسجلت 39%. وفي المرحلة الأولى ثانوي تتراوح النسبة من 28-30% في قطر والإمارات، إلى 36-38% في الكويت والسعودية وعمان، إلى 51% في البحرين. أما المرحلة الثانية أو الثالثة الثانوي فتتراوح النسبة من 10-12% في البحرين والإمارات وعمان، وإلى 18-21% في السعودية وقطر، إلى 32% في الكويت، أما البدء في المرحلة الجامعية فتتراوح النسبة من صفر في البحرين وعمان، إلى 5% في السعودية، إلى 8-9% في الكويت والإمارات وقطر. وعن الانتظام في التعاطي والاستمرار فيه في جميع الدول فبلغت النسبة 11%، ينتظمون في التعاطي في المرحلة الابتدائية، وأن 16% ينتظمون في المرحلة المتوسطة، وأن 37% ينتظمون في السنة الأولى الثانوية، وأن 25% ينتظمون في السنة الثانية أو الثالثة الثانوي، وأن 9% فقط ينتظمون في المرحلة الجامعية.
وكشفت الدراسة أن هذه النسب تختلف من دولة إلى أخرى، حيث إن الذين ينتظمون في التعاطي في المرحلة الابتدائية تتراوح من 2-3% في عمان والبحرين إلى 10-11% في السعودية والكويت إلى 25% في قطر والإمارات. أما الذين ينتظمون في التعاطي في المرحلة المتوسطة فتتراوح النسبة من 10% في الإمارات والكويت إلى 15-2% في البحرين والسعودية وقطر إلى 32% في عمان. وعن الذين ينتظمون في التعاطي في السنة الأولى الثانوي فتتراوح النسبة من 31% في الإمارات إلى 35-39% في قطر والكويت والسعودية وعمان إلى 46% في البحرين. أما الذين ينتظمون في التعاطي في السنة الثانية أوالثالثة الثانوي فتتراوح النسبة من 10% في قطر إلى 21-23% في الإمارات والبحرين إلى 25-28% في السعودية وعمان والكويت، أما الذين ينتظون في التعاطي في الجامعة فتتراوح النسبة من صفر في عمان إلى 9-10% في السعودية وقطر والإمارات إلى 11-13% في البحرين والكويت. وقد ثبت أن تعاطي المخدرات بين الشباب والطلاب يؤدّي إلى التدهور في التحصيل العلمي، ويبعث القلق، والاكتئاب، والتوتر، وانحراف السلوك، فتبرز الجوانب الشريرة. ومكامن حب الجريمة في النفس، وممارسة الأفعال الشاذة والتصرفات المشينة دون أدنى شعور بالخجل.
وقائع مدمرة
لقد بيّنت الدراسات الأمنيّة أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المسكرات، وارتكاب الجريمة والجنح إما عن غير وعي بسبب فقدان العقل بتأثير المسكر، أو عن إرادة وقصد لتوفير ثمن المخدر، إضافة إلى الحوادث المرورية القاتلة نتيجة لغياب الوعي، لذا فإن ما أمر به ديننا الإسلامي من تحريم هذه الآفة نرى حكمته ويراها غيرنا من المجتمعات ظاهرة للعيان.
وتمتد أضرار تعاطي المخدرات، وإدمانها لتقضي على الاستقرار الاجتماعي، فهي تفضي إلى إفقاد الفرد المدمن التكيّف مع مجتمعه الصغير، ثم مع بقيّة قطاعات المجتمع بما في ذلك غير المدمنين، فمدمن المخدرات يوصف بعدم المبالاة والإهمال في كل شؤون حياته، مما يؤثر في وضعه الاجتماعي وعلاقاته الاجتماعية، وثقة الناس به، ومن يستمع ويطّلع على جرائم متعاطي المخدرات التي سجّلتها المحاكم الشرعية تقشعر لها الأبدان، وتشمئز منها النفوس من أهوال الجرائم الكبرى التي ارتكبوها. ونختار من بين ما دوّنته سجلات المحاكم للعظة والعبرة، وذلك وفق الوقائع التالية:
تحطم أركان البيت
«امرأة جاءت تشكو بعلّها، تزعم أن هذا الزوج الذي فرّط في كل حقوقها كان من قبل رجلاً مستقيماً وكان يعيش معها في سعادة وأُنس، وبينما هو كذلك إذ سافر إلى بلد من بلدان الخارج التي فيها الرذيلة، فاختلط هناك بأناس فاسدين أفسدوا عليه دينه وحياته فعاش على المخدرات والغواية والضلال، فجاء وانطلق مع صحب له وأخذوا يسيرون في الطريق فوقعوا في حبائل شيطانة من شياطين الإنس تتعاطى المخدرات معهم فولّوا بها مدبرين إلى دار مكثوا فيها ثلاث ليال يأكلون ويشربون ويتعاطون المخدرات والخمر حتى قضت تلك الفتاة فماتت بأسوأ خاتمة -والعياذ بالله. فتورّط بعلها تورطاً عجيباً وأصبح أسير همّه وغمّه حتى قبض عليه ثم سجن وانفسخت عرى الزوجية فتحطمت أركان البيت وتشتّت الأطفال وبقيت الأم مع أطفالها أسيرة حسيرة كسيرة تئن وتشكو حالها إلى الله عز وجل».
بيع أثاث المنزل
وهذه واقعة أخرى «شاب ضلّ طريقه إلى عالم المخدرات، فأنفق كل ماله على شرائها وتعاطيها، في وقت كان أولاده وزوجته لا يجدون ما يسترهم أو ما يسد جوعهم من لباس وطعام، بل إن أطفاله كانوا نادراً ما يرونه، فهو دائم السهر خارج المنزل في جلسات التعاطي مع رفاق السوء.
ويعترف ضحيّة هذه المأساة وصانعها أنه استيقظ من غيبوبة المخدرات فوجد نفسه وحيداً، فزوجته ذهبت إلى بيت أهلها بعدما يئست من إصلاحه وبعدما تعرضت للإيذاء مرّات عديدة عندما كانت تطالبه بالتّوقّف عن التعاطي وبالإنفاق على أبنائه، ورغم ذلك لم يأبه لفراق زوجته وأطفاله ولم يذهب للسؤال عنهم، بل راح يبيع أثاث البيت قطعة قطعة حتى ينفق على المخدرات، خصوصاً وأنه كان قد أهمل عمله وتجارته فبارت، قبل أن يتم القبض عليه ويودع في السجن وهو لا يعرف مصير أطفاله أو زوجته».
اغتصاب العجوز وقتلها!
وممّا دوّنته سجلاّت المحاكم - أيضاً - الواقعة التالية: «ثلّة من أصدقاء السّوء اجتمعوا في إحدى جلسات تعاطي المخدرات والخمور حتى غابت عقولهم ثم انطلق كبيرهم يحمل كرتوناً، فطرق الباب على عجوز ضعيفة تجاوزت عقدها السابع وولجت في عقدها الثامن وهي امرأة تتهادى، فلمّا فتحت الباب قال لها معي صندوق أرزاق، أذنت له بالدخول فدخل ودخل وراءه زبانيته، وكان آخرهم قد أغلق الباب فأمسكوا بهذه العجوز فقاومت ثم قاومت ولكن أنى لها أن تستطيع وهم عدد، ثم قتلها الأول أو كبيرهم تحت تأثير المخدرات، فلمّا فرغ من قتلها فعل بها الفاحشة ثم تعاقب على فعل الفاحشة بقيّة رفاقه. ثم صار بعضهم - والعياذ بالله - ينزو على بعض كالبهيمة فقادتهم ظلمات المخدرات والخمور إلى جرائم متراكبة قتل وزنى ولواط وسرقة وانتهاك حرمة البيوت ومعصية الله - عز وجل - وترك الصلاة ومحاربة الله - عز وجل - بكل جريمة من الجرائم التي كانت الإمامة فيها والقيادة للمخدرات والخمور التي أوردت المهالك».
المرأة الخبيثة
وتتوالى القصص المؤلمة من داخل مجتمعنا وليست من نسج الخيال ولكنها من واقع الذين يتفاعلون مع المخدرات، وقصتها كالتالي: «شابّان اجتمعا على المعاصي والفساد وتعاطي المخدرات والخمور، وتعرفا على امرأة خبثت نفسها معهما، وجمعت الثلاثة جلسات الشيطان، وباعتراف الشابين أنهما بعد تعاطي المخدرات قرّرا قتل المرأة، وبالفعل قاما بخنقها بحبل ولفّها في بطانيّة وألقيا بجثتها في منطقة بعيدة، دون أن يكون هناك أي مبرّر لقتل المرأة سوى ما فعلته المخدرات بعقليهما، لكن سرعان ما توصل رجال الأمن إلى القاتلين ليواجها جزاء ما اقترفته أيديهما».
التطاول على الوالدين
وواقعة أخرى يعترف بها مدمن مخدرات تائب تبيّن اختلال القيم والمبادئ الأخلاقية لدى مدمني ومتعاطي المواد المخدرة على اختلاف أنواعها يقول: «لم أكن أتورّع عن التطاول على والدي ووالدتي عندما اكتشفا إدماني للمخدرات وحاولا جاهدين دفعي للإقلاع عنها، فساءت علاقاتي الاجتماعية وعلاقاتي مع أهلي فانعزلت عن الناس ودفعتني المخدرات للسرقة لتوفير ثمنها، ودخلت السجن مرّات عدة بتهمة السرقة أو التعاطي، وحاول بعض التّجّار استغلالي لترويج المخدرات مقابل توفيرها لي دون مقابل مالي.. وطوال فترة سجني لم يكن يزورني سوى والدتي، لكن مرضها منعها في الآونة الأخيرة ودخلت المستشفى، وعندما خرجت من السجن احتاجت والدتي إلى نقل دم وأعطاني الأطبّاء ورقة لأذهب لبنك الدم، حيث إن فصيلة دمي من فصيلتها نفسها، لكنّي تحت تأثير الإدمان بدلاً من أن أذهب لوالدتي لأعطيها الدم ذهبت إلى أصدقائي الذين تجمعني بهم جلسات المخدرات، وعندما أفقْت وتذكّرت والدتي وذهبت إليها كانت قد انتقلت إلى رحمة الله دون أن أراها.. فهل هناك ما هو أبشع من أن تكون المخدرات سبباً لتخلّي ابن عن أمه في مرضها وانشغاله عن إنقاذها بدمه بسبب جلسات التعاطي؟!».
جرائم متنوعة
وأمام هذه الوقائع المريرة التي دوّنتها سجلات المحاكم بعد مثول المتّهمين أمام مجلس القضاء، نجد أن مدمن المخدرات لا يتورّع عن سلوك أي طريق لتأمين احتياجاته من المخدر، وهذا ما ثبت بالمشاهدة، فيلجأ إلى السرقة كأن يسرق الشاب المدمن جواهر والدته، أو زوجته، أو بعض أفراد عائلته أو أشياء من محتويات المنزل، ولا يتورّع عن سرقة الآخرين، كما أنه في حالات فقدان وعيه قد يقدم على ارتكاب جرائم بشعة مثل: هتك الأعراض أو الاغتصاب، أو إزهاق الأرواح دون وعي يجرم ما يفعل، بل قد يتعدّى هذا الأمر إلى أن يقوم المدمن باسترخاص أعراض محارمه، وتقديمها بديلاً للحصول على المخدرات، وفي بعض المجتمعات سمعنا وقرأنا عمّن قدّم أعراضه إلى سوق الرذيلة مقابل المال، ومنهم من باع أطفاله للحصول على المخدر، والعياذ بالله.
إن غياب العقل والانغماس في دائرة المخدرات، يفقدان المدمن الشعور بالمسؤولية، ويجعلانه أكثر ميلاً للكذب، والنفاق، وسرعة الانفعال، وعدم الاكتراث بالواجبات، ومحاولة تحميل الآخرين مسؤولية إخفاقه، وقلّة الرغبة في الحياة، وقد يدفعه ذلك إلى الانتحار في كثير من الأحيان، وقد أثبتت الدراسات والبحوث الجنائية أن 60% من مدمني المخدرات يلجؤون إلى الانتحار، أو يسقطون فريسة للأمراض العقلية. ويصاب مدمن المخدرات بفساد الطباع، وشذوذ في الغرائز، والميل إلى العنف الناتج عن معاشرة الأدنياء والسفهاء من المدمنين، فيفقد الأدب في حديثه ومعاملته مع والديه، ومن هم أكبر منه سناً وأعلى مكانة، كما يفقد الغيرة على أعراضه، ولا يقتصر هذا الضرر على الفرد المتعاطي وحده، وإنما يمتد إلى كثير من أفراد المجتمع، مما يؤدي إلى تزعزع الأمن والاستقرار في نفوس الأفراد، وكثرة الخصومات والمنازعات لأتفه الأسباب، مما يخلخل قاعدة المجتمع، ويفكك بنيته الأساسية، فتسود الفوضى، ويعم الشقاق.
كما أن مدمن المخدرات عادةً ما يلجأ إلى الانعزال، والانطواء بعيداً عن المشاركة في أي نشاط اجتماعي، فتتأثر علاقته بمن حوله، وتغلق بغلاف الشك والريبة وفقدان الثقة، وكثيراً ما يهمل المدمن واجباته تجاه بيته وأسرته، وينشغل بعالمه الوهمي الذي أخذته إليه المخدرات، وما أكثر المآسي الأسرية التي تحدث نتيجة لذلك، من انحراف الأبناء نتيجة غياب القدوة، وضعف الرقابة، وكذلك إخفاق العلاقات الزوجية، ويصل الأمر إلى الطلاق في معظم الأحيان نتيجة عجز الأب عن الوفاء بالتزاماته تجاه أولاده وأسرته.
مشروع نبراس
إن للمملكة العربية السعودية قصة طويلة في مكافحة المخدرات ومعاقبة المخالفين، ولست هنا بصدد سرد قصة نجاح المكافحة أو ذكر للإستراتيجية في مجال مكافحة الإرهاب، ولا لنظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ولوائحه، ولا إلى اللجان والبرامج والأنشطة والأعمال المقامة في هذا المجال. ولو أردنا تفنيد ذلك لفردنا صفحات طوال وبلغة الأرقام. ولكنّني سأتناول وبشكل موجز عن أحدث المشروعات المهمة في مكافحة المخدرات وهو مشروع «نبراس» الذي دشّن أخيراً برعاية رجل الأمن الأول الهمام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات.
ويتطلّع المتابعون والباحثون وأهل الرأي في الشأن الداخلي إلى المشروع الوطني للوقاية من المخدرات «نبراس» نظرة تأمل وترقب لتفعيل برامجه في أوساط المجتمع. وبالذات أنه يحتوي على برنامج للتواصل الدولي مع الخبراء والمنظمات من خلال الشبكة العالمية المعلوماتية عن المخدرات «خباء»، وبرنامج الإعلام الجديد للوصول السريع لأكبر شريحة من المجتمع، ويستمر لمدة 5 أعوام على متسوى المملكة، آخذاً أبعاداً محلّية وإقليمية ودولية، ويتضمن برامج علمية متنوعة تختص بالوقاية من المخدرات تحت إشراف مباشر من اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات وبمبادرة من شركة «سابك».
والمطلع على أهداف «نبراس» وبرامجه يجد أن مجموعة الأهداف المذكورة تحتاج إلى تفعيل وفرق عمل جادّة من مختلف قطاعات الدولة والقطاع الخاص والأفراد وذوي الاختصاص في المجالات الشرعية والإعلامية والثقافية والاجتماعية وغيرها. والعمل المستمر غير المحدّد بأيام وقتيّة كاليوم العالمي لمكافحة المخدرات بل إلى منهجية وخطط إستراتيجية تعمل طوال العام وبشكل جماعي مؤسّسي لأن كل جهة تكمل بعضها بعضاً.
ومن برامجه: برنامج التعليم، وبرنامج الأسرة، وبرنامج نجوم نبراس، وبرناج الإعلام، وبرناج الإعلام الجديد، وبرنامج الأبحاث، وبرنامج الشبكة العالمية المعلوماتية عن المخدرات «خباء»، وكذا المركز الوطني لاستشارات الإدمان 1955 (الرشيد).
وإننا إذ نتظلّع لهذا المشروع الرائد أن تكون أعماله وأفعاله على أرض الواقع لتحقق الأهداف وتجني الثمار.
من أسباب التعاطي
الوقاية من الوقوع في براثن المخدرات أفضل من علاج المريض بعد وقوع الكارثة، فالوقاية هي الأساس، ولا تتحقق هذه الوقاية دون التعريف بمضار المخدرات بحقائق علمية واضحة. وقد توصل عدد من المختصين والباحثين إلى رصد مجموعة من الأسباب الرئيسة لتعاطي المخدرات للعمل على اجتنابها وتلافيها، وذلك وفق النقاط التالية:
* ضعف الوازع الديني لدى متعاطي المخدرات.
* أصدقاء السوء ومجالستهم ومجاراتهم وغياب دور المدرسة أو الجامعة في نشر الوعي وعمل المحاضرات والندوات والمعارض التوعوية.
* غياب المتابعة من قبل الوالدين، وأعطاء الشباب حرّيّتهم بدون ضوابط.
* العلاقات السيّئة بين الأبناء والوالدين ووجود الفتور والفجوة بينهما.
* الإحباط والضغوط النفسية التي قد تؤدي للقلق والاكتئاب وتهوي بالفرد إلى المخدرات.
* الاعتقاد بحصول اللذة والمتعة وزيادة القدرة الجنسية.
* الشعور بالفراغ والملل والوحدة والعزلة عن الآخرين.
* السفر إلى الخارج مع وجود وسائل الإغراء وأماكن اللهو وعدم وجود الرقابة على الأماكن الموبوءة.
* حب التقليد من صغار السن يبدأ بالتدخين الذي يعد البوابة لعالم المخدرات.
* السهر خارج المنزل حتى ساعات متأخرة من الليل.
* الظروف الاقتصادية للأسرة، إما بوفرة المال بدون ضابط، أو انعدامه الذي قد يؤدّي به إلى الدخول في المخدرات إما متاجرة أو استعمالاً.
* أساليب التنشئة الاجتماعية والأسرية وحدوث المشكلات الأسرية والتفكّك الأسري.
* انخفاض مستوى التعليم، والرغبة في السهر للاستذكار مما قد يوهم بعض أن التركيز في الدراسة بعد الحصول على الحبوب المخدرة «المنشطات».
* انفصال الوالدين عن بعضهما حيث إن الطلاق قد يضعف من متابعة الأبناء ويحدث فجوة في العلاقة بين الوالدين وأبنائهم.
* التساهل في استخدام العقاقير المخدرة وتركها دون رقابة.
* قلّة التوعية الإعلامية والتوعوية من قبل مؤسسات المجتمع لإيضاح مخاطر المخدرات.
* إدمان أحد الوالدين للمخدرات مما قد يؤثّر بطريق مباشر أو غير مباشر على استعمال الأبناء.
توصيات قابلة للتنفيذ
لم يعد هناك مجال للشك والريب في الضرر البالغ للمخدرات على صحة الفرد والمجتمع، حيث إن انتشار ظاهرة المخدرات من القضايا الأمنية التي تهم أمن كل دولة، وتؤثر على شخصيتها الوطنية. وضرورة تغليظ العقوبة على تجار ومروجي هذه السموم، وكذلك تضافر جميع الجهود الرسمية والأهلية والأفراد بما في ذلك المدرسة والأسرة لوقاية أبنائنا من هذا الخطر الذي بات يهدّد مستقبل كثير من المجتمعات، ويستنزف جانباً عظيماً من مواردها المادية وإمكاناتها البشرية، بعدما تأكد حجم الخطر الفادح الذي يرتبط بانتشار وإمكاناتها البشرية، بعدما تأكد حجم الخطر الفادح الذي يرتبط بانتشار تعاطي المواد المخدرة وإدمانها على مستوى الصحة الفرد البدنية، والنفسية، وعلاقاته الاجتماعية، وقدرته على أداء عمله، أو التطلع لمستقبل أفضل.
وتبدأ منظومة مكافحة هذا الوباء بالتأكيد على تحريم الشريعة الإسلامية بنصوص قطعية للمخدرات بأنواعها كافة، وكونها مسكرات أو مفترات، ثم تفعيل دور الأسرة في الرقابة على أبنائها وأفرادها، والتنشئة الدينية السليمة، وتقديم القدوة الحسنة، وفتح باب الحوار والتفاعل داخل نطاق الأسرة الواحدة، وكذلك مشاركة المؤسسات الدينية والثقافة الشبابية والإعلامية كافة جنباً إلى جنب مع مؤسسات الدولة في مجال مكافحة مخططات جلب المخدرات وترويجها، وعلاج آثارها، وكذلك التعريف بالمخاطر التي تهدد صحة الأفراد ضحايا المخدرات، والتصدي لبعض المقولات الشائعة حول دور المخدرات في زيادة القدرة العقلية والجنسية للمدمن، والتحذير من العقاقير المنشطة والمنبهة، وفرض رقابة أكبر على استخدامها في المجالات الطبية.
والتأكيد على ضرورة ارتباط الشباب بالأسرة والمجتمع، وتفعيل الأنشطة المدرسية، والاستمرار في الحملات عن المخدرات وبأساليب جديدة مبتكرة مستفيدين من وسائل الإعلام والاتصال الجديد. والاستفادة من المشاهير في المجالات العلمية والثقافية والرياضية والفنية في بث الدعاية عن أضرار المخدرات. وتفعيل منابر الجمعة بالتحدث عن المخدرات ومآسيها وما جرته من مشكلات في المجتمع. وأهمية أخذ وسائل الإعلام وقادة المجتمع والشخصيات المؤثرة على قائمة أولويات الخطط في تنفيذ حملات المكافحة.
وكذا التوسع في إنشاء العيادات النفسية وتوفير العلاج الصحي والاجتماعي للمدمنين والمتعاطين الذين يتم ضبطهم على أنهم مرضى يجب علاجهم وليسوا مجرمين، وذلك بفتح المستشفيات المتخصصة.
كما أقترح إدراج فحص المخدرات لدى المتقدمين للزواج، حيث إن ذلك سيسهم - بإذن الله - في حل بعض الإشكالات المستقبلية، فكثير من الزوجات وأهاليهن فوجئوا بأن الزوج مبتلى بتعاطي المخدرات.