د. عبدالرحمن محمد السلطان
عادت أسعار النفط الخام للتراجع من جديد بحيث وصلت الآن إلى ما يقرب من أدنى مستوياتها هذا العام، فعلى الرغم من دلائل على توقف نمو إنتاج الولايات المتحدة بثبات إنتاجها عند حوالي 9.5 ملايين برميل يومياً، إلا أن هناك نمواً في إنتاج دول أخرى من بينها المملكة والعراق وروسيا نتج عنه بالضرورة مزيد من الضغط على مستويات الأسعار، زاد من حدته توقع تدفق مزيد من النفط الإيراني إلى الأسواق مع رفع العقوبات عنها.
الشرارة التي تسببت في هذا الانحدار الحاد في أسعار النفط كان قرار منظمة أوبك أواخر العام الماضي بالتوقف عن القيام بدورها التقليدي كمنتج متمم، أي أن تنتج ما يكفي من النفط لضبط توازن العرض والطلب بما يضمن قدراً من الاستقرار في الأسعار، وبدلاً من ذلك قررت اتباع سياسة مغايرة تماما تستهدف الدفاع عن حصتها السوقية دون اكتراث بانعكاس ذلك على مستويات الأسعار.
هذا القرار من جانب أوبك يظهر تجاهلاً للطبيعة الخاصة للسوق النفطية كونها سوقاً لا يمكن أن تكون سوقاً تنافسية وأنها لم تكن كذلك طوال تاريخها، فهذه السوق بطبيعتها في حاجة مستمرة إلى من يضبط حجم المعروض النفطي حتى لا يتجاوز العرض حجم الطلب وتنهار الأسعار كما يحدث حالياً.
وعلينا أن ندرك أنه ليس من قبيل الصدفة أن يوجد منظمة لمنتجي النفط في العالم ولا يوجد منظمة لمنتجي الحديد أو الألماس أو حتى الغاز أو أي سلعة أخرى. وليس من قبيل الصدفة أيضا أن تتصف السوق النفطية طوال تاريخها بأنها سوق مقيدة يوجد فيها دوماً من يتحكم بحجم المعروض النفطي تفادياً لانهيار الأسعار، بدءاً بجون روكفلر ومروراً بشركات النفط الكبرى أو الأخوات السبع، وانتهاء بسيطرة منظمة أوبك على السوق النفطية طوال العقود الأربعة الماضية.
من ثم فتاريخ السوق النفطية يظهر أن هذه السوق تتعرض لتذبذبات عنيفة جداً عندما لا يكون هناك جهة تتحمل مسئولية ضبط مستوى العرض النفطي وهذا تماماً ما تشهده السوق حاليا بعد قرار منظمة أوبك التخلي عن القيام بهذه المهمة في وقت لم تبرز فيه جهة أخرى بديلة لتقوم بهذا الدور.
في ضوء كل ذلك فإن هناك ثلاثة سيناريوهات ممكنة لاتجاه أسعار النفط الخام خلال المرحلة القادمة:
1-أن تعيد الأوبك النظر في استراتيجيتها فتقيد إنتاجها بصورة تسمح بالحد من فائض العرض في السوق والذي سيسمح في ارتفاع سريع في أسعار النفط الخام عند مستويات مقبولة للمنتجين داخل وخارج أوبك، وهذا هو الخيار الأنسب لدول المنظمة والمحقق لاستقرار السوق والصناعة النفطية.
2-أن تستمر أوبك في استراتيجيتها الحالية فتبقي أسعار النفط الخام عن مستويات منخفضة، والذي سيلحق بالغ الضرر في الصناعة النفطية داخل وخارج أوبك نتيجة تراجع حجم الاستثمارات الموجهة لهذه الصناعة، فيتراجع حجم الإنتاج النفطي بصورة تدفع الأسعار إلى الارتفاع بصورة كبيرة بعد عدة سنوات مع انخفاض حجم المعروض النفطي، ومع انجذاب مزيد من الاستثمارات إلى هذه الصناعة يرتفع الإنتاج بما يفوق حجم الطلب فتنهار الأسعار من جديد، وهكذا دواليك.
أي أنه سيناريو التذبذب العنيف الذي يمثل السناريو الأسوأ المتوقع الحدوث في ظل سياسة أوبك الحالية والذي سيلحق بالغ الضرر في الصناعة النفطية وفي اقتصادات الدول المنتجة.
3-أن تتولى جهة أخرى غير أوبك مسئولية ضبط أداء السوق النفطية بالقيام بدور المنتج المتمم، والجهة المرشحة للقيام بهذا الدور هم منتجو النفط غير التقليدي كمنتجي النفط الصخري ومنتجي النفط من الرمال النفطية، ففي ضوء ارتفاع تكلفة إنتاجهم مقارنة بدول أوبك فهم بحاجة إلى استقرار الأسعار عند مستويات عالية نسبيا تسمح لهم بمواصلة إنتاجهم وجذب مزيد من الاستثمارات إليهم. إلا أن هذا السيناريو ورغم مناسبته إلا أنه يتطلب قدراً من التنسيق والتعاون بين هؤلاء المنتجين سيستغرق تحققه وقتا طويلا جدا ما يجعله خيارا غير متوقع في المدى المنظور وعلى الأغلب سيسود في السوق النفطية السيناريو الكارثي السابق.
من هذا يتضح ان مصلحة أوبك ومصلحة السوق والصناعة النفطية تتحقق من خلال قيام أوبك بتصحيح استراتيجيتها والعودة إلى تحمل مسؤوليتها التقليدية في هذه السوق بالحد من إنتاجها وفق معدلات إنتاج لا تضر بمصلحة أعضائها وحصصهم العادلة في السوق، وإلا لن يستطيع أحد أن يتوقع ما يمكن أن يحدث لأسعار النفط الخام ولا حجم الضرر الذي يمكن أن تتعرض له هذه الصناعة ومدى التذبذبات التي يمكن أن تتعرض له أسعار النفط خلال السنوات القادمة.