عبدالعزيز السماري
كثيرا ما يتردد في الأطروحات الثقافية العديد من التساؤلات عن الفشل العربي، وعن مأساة العرب، والتي أصبحت يُضرب بها المثال في الوقت الحاضر في الفشل، والدليل أن بعض الأمم من غير العرب بدأت متأخرة، وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة في العالم، وضربت شعوبها الرقم القياس في الإنتاجية..
ودائما ما تعود الأطروحات التحليلية عن مأساة العرب، كان أهمما تم طرحه في مجلة الإيكونوميست قبل عام عن تراجيديا العرب أو مأساتهم التي أصبحت مثاراً للجدل، وقد حاول المحلل في المجلة الاقتصادية أن يضع أسباباً للتخلف العربي، وذكر منها الاستبداد والأصولية والطائفية والفساد، وخرجت قبل وبعد ذلك كثير من المقالات والكتب تحاول رصد أبعاد البؤس العربي.
وفي عدد أخير لصحيفة لوبوان في مايو الأخير، ظهر على غلاف العدد صورة قصر أحد السلاطين العرب، وهو رسم لبنجامان كونستان الرسام المستشرق الذي قضى عمراً في مدينة طنجة المغربية، وقد كتب أعلى الصورة «العرب: تاريخ مجهول من الحضارة وجذور المأساة التي يعيشونها اليوم» وفي افتتاحية العدد التي حملت عنوان «ساندروم بالمير»، تحدّث رئيس تحرير الصحيفة فرانزأوليفيه جيسبير عن العامل الخارجي، وبالأخص التدخل الأمريكي السلبي في المنطقة العربية.
لكن علينا أن نتوقف عن التحليل العميق والأطروحات الفلسفية والتي قد لا يفهمها رجل الشارع، وعلينا أن نتحدث ببساطه وبشفافية متناهية، فالفشل العربي يظهر في أبهى صوره عندما تنتقل من بلاد عربية إلى أخرى، وتبدو الصورة في كامل الوضوح التام في الأيام الأولى بعد الوصول إلى بلد عربي، وتظهر فيه أن مأساة العرب هو الإنسان العربي.
من أجل وضع النقاط على الحروف، سبب الفشل التنموي في الخليج هم أهلها وشعوبها، فقد جاءتهم الفرصة التاريخية إلى تحت أقدامهم، بعد اكتشاف النفط بكميات اقتصادية كبرى، ومع ذلك فرطوا فيه، ولم تتبدل أحوالهم كثيراً، ولازالوا في المجمل عبئاً كبيراً على النفط، وبمجرد انتهاء أهميته الاقتصادية سيعودون إلى مأساتهم المعيشية في الصحراء.
سبب الفشل السعودي هم السعوديون بكافة أطيافهم، ولا نحتاج إلى مجهر للبحث عن الأسباب، فالتخلف الإنساني يظهر في كامل زينته في الشارع، حيث عدم الاكتراث للبيئة، وعدم احترام الأنظمة، وإلى الفروق الكبيرة في المعيشة، وتلاحظها في جمود الإنتاج وارتفاع معدلات الاستهلاك، وتلاحظها في الفهم المتطرف في الدين، وفي انتشار رجال الدين، وتشاهدها في عدم الاهتمام بالأبحاث العلمية وصلت أقصى درجات عدم الاكتراث بالحياة أن فلتر تحلية المياه لا يُصنع محلياً، والذي بدونه مصيرهم الموت الجماعي بسبب العطش.
سبب الفشل المصري هم المصريون، فقد حباهم الله بأرض غنية بالماء والثروات، وبموقع إستراتيجي ومع ذلك يبدو الإنسان المصري متخلفاً عن الركب الحضاري في العالم المتقدم، ولا تحتاج إلى مجهر للبحث عن علامات التخلف، فحالة اللانظام تطغى عل كل شيء، ونظام «العزب» الذي يفرق بين السائح والمواطن في الأسعار والتسهيلات، لدرجة غير عادية، ففي مصر يوجد عالمان منفصلان ولا يلتقيان إلا في الشارع، عالم السائح الذي يعيش في وسط محميات سياحية، وعالم الإنسان المصري الذي يعيش خارجها.
سبب الفشل العراقي هم العراقيون، وهل يوجد وطن يحتوي مختلف مصادر الثراء كالعراق، فالتاريخ عراقي الهوى، وفيه الثروات المائية والنفطية والزراعية، مع ذلك يتعرضون للإبادة بسبب الطائفية ومشاعر البغضاء التي تكاد تسمم الأجواء العراقية؛ لذلك على المثقفين أن يتوقفوا عن تشريح الموقف، فالعراق آفته الأولى هم العراقيون أنفسهم، فهم الذين حطموا وطنهم ثم دمروه بأيديهم، ولن ينقذ العراق من مأساته إلي بقدوم أجيال أخرى غير الذين يسكنون فيها الآن.
سبب الفشل اللبناني هم اللبنانيون، فقد قدموا صورة تاريخية للتعددية السياسية التي تتسم بالكراهية وعدم الثقة، وتحكمها الولاءات خارج الوطن، فاللبناني «إتيكيت» في اللباس والغذاء والذوق، ولكن في السياسة أقرب لأدغال إفريقيا، ولم يأت ذلك من خلال مؤامرة خارجية، ولكن اللبنانيين يريدونها كذلك، وما لم يتغير الإنسان اللبناني ستظل لبنان تئن تحت وطأة المأساة وتهديد الحروب الأهلية، ولن أحتاج إلى سرد بقية الشعوب العربية، فالوضع لا يختلف كثيراً من بلد إلى آخر، والمأساة أحد أهم معالم الشعوب العربية في أوطانهم.
سبب الفشل العربي هو الإنسان العربي، والذي تتجمع فيه مختلف فئات المجتمع بدون استثناء، ولا يمكن وضع اللوم على فئة عن أخرى، فالنخب والعامة يشتركون في تراجيديا العرب وتخلفهم المريع، ومن خلالهم يدخل الغزاة إلى الأوطان، وقد نعيد الأسباب إلى الأصولية والتطرف الديني، وقد يضعها آخر على النخب الحاكمة والفشل الإداري، وقد يجد آخرون في غياب الحريات والحقوق والديموقراطية سبباً في تخلفهم، لكن ربما نسي هؤلاء أن العلة الكاملة في الإخفاق الحضاري وقابلية الاستعمار، وفي إنتاج الفساد والتخلف والأصولية هم البشر.