محمد بن فهد العمران
إلى جانب مستويات التقييم ونمو الأرباح والنمو الاقتصادي وأسعار الفائدة وغيره من المؤشرات، هناك أيضاً مؤشر اقتصادي لا يقل أهمية للأسواق المالية عن ما سبق، إن لم يكن الأكثر أهمية على الإطلاق، يتمثل بالمعروض النقدي أو بمعنى آخر حجم السيولة داخل النظام الاقتصادي، الذي وبلا شك يلعب الدور الأبرز في ارتفاع قيمة الأصول الاستثمارية (من أسهم وعقارات إلخ)، ويعطي تفسيراً لارتفاع سوق الأسهم السعودية في السنوات التي سبقت انهيار عام 2006م، وفي ارتفاع أسواق الأسهم العالمية بعد الأزمة المالية التي تعرضت لها عام 2008م وحتى يومنا هذا.
مع انخفاض أسعار النفط بأكثر من نصف قيمتها السوقية مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، أظهرت تقارير مؤسسة النقد العربي السعودي أنّ المعروض النقدي في المملكة بلغ 1.834 مليار ريال خلال شهر أغسطس الحالي، مقارنة مع 1.710 مليار ريال لشهر أغسطس من العام الماضي، بنسبة نمو سنوي تزيد قليلاً عن 7 بالمئة، وهذا الطبع أكثر من جيد، وأعتقد أن سبب محافظة المعروض النقدي على النمو، بالرغم من انخفاض أسعار النفط يعود بشكل رئيسي إلى سياسة السحب من احتياطي العملات الأجنبية التي تبنتها حكومة المملكة حفظها الله ورعاها خلال النصف الأول من هذا العام.
إلا أنّ نفس التقارير تظهر أيضاً أنّ المعروض النقدي في المملكة بلغ ذروته التاريخية عند 1.854 مليار ريال خلال شهر يونيو الماضي (أي قبل نحو شهرين من الآن)، مما يدل على أن المعروض النقدي خلال شهر أغسطس الحالي انكمش بأكثر من 1 بالمئة بالمقارنة مع شهر يونيو الماضي، والأهم أن هذا الانكماش يرسل إشارات أولية سلبية عن الأسعار المتوقعة مستقبلاً للأصول الاستثمارية (من أسهم و عقارات إلخ) التي حتماً ستشهد انخفاضات في حال مواصلة المعروض النقدي لانخفاض قيمته خلال الشهور القادمة والله أعلم فيما سترتفع تكلفة النقود بسبب شح السيولة.
هنا يجب أن ننتبه إلى نقطة مهمة، وهي أن انكماش السيولة هذا حدث قبل بدء حكومة المملكة لسياسة إصدار السندات السيادية، والذي بدأ العمل به قبل أسابيع قليلة، وأيضاً قبل الانخفاض الأخير في أسعار النفط العالمية والتي حققت فيه أدنى مستوى سعري لها منذ أكثر من 6 سنوات، وهذا بدوره يرسل إشارات أولية سلبية تضاف إلى الإشارات السابقة حول الصورة المتوقعة للمعروض النقدي في المملكة، والذي يبدو أنه سيشهد تسارعاً في الانكماش خلال المرحلة القادمة.