د. خالد محمد باطرفي
داعش تضرب مسجداً من جديد، هذه المرة اختارت مسجداً سنيا، بمدينة أبها، بيوم خميس، بدلا من يومهم المفضل، الجمعة.
أسفر الهجوم عن مقتل وإصابة أكثر من عشرين مصليا معظمهم من المتدربين الشباب في قوات الطوارئ. بهذا تكون «داعش» التي بنت مشروعيتها على حماية أهل السنة تجاوزت خطا أحمر لم
تقطعه من قبل. وهذا يطرح أسئلة: من وراء داعش؟ وما هي أهدافه الحقيقية؟ فمعرفة المستفيد من وراء الجريمة، يسهل الوصول إليه.
بصمات إيران تبدو واضحة على كافة أنشطة داعش وجرائمها. خاصة، تلك التي تأتي وكأنما رد على انتصارات عاصفة الحزم.
«كاد المريب أن يقول خذوني»، فقد أعلن بوق إيران في لبنان، حسن نصر الله أن داعش ستقوم بعمليات نوعية في السعودية، وكرر نفس التحذير رئيس مجلس الأمن الإيراني، علي شامخاني، وعدد من كبار المسئولين الإيرانيين، وعلى رأسهم علي خامئني، المرشد الأعلى للجمهورية، ردا على مواقف المملكة في اليمن وسوريا.
وبالفعل، فبعد وقت قصير من هذه التهديدات، تمكنت الداخلية من القبض على مئات الدواعش، كانوا يخططون لنفس العمليات التي توعدنا الإيرانيون بها.
الدلائل التي تورط إيران كثيرة، ومنها أن المواد المستخدمة في التفجير، هي نفسها التي تم كشفها وإحباط محاولة تهريبها إلى المملكة والبحرين، خلال الأسابيع الماضية. فداعش أيها السادة صناعة إيرانية.
فقبل سنوات صدر قرار العميل الإيراني في بغداد، نوري المالكي، رئيس الوزارة العراقية الأسبق، إلى وزارة العدل العراقية بإطلاق سجناء القاعدة ممن تم سجنهم من قبل القوات الأمريكية في سجن أبو غريب، وأرسلوا عبر الحدود السورية، إلى شمال سوريا حيث تم تزويدهم بالسلاح والمال، لمهاجمة المعارضة السورية، وتشكيل بؤرة إرهاب تحول الأنظار من إرهاب الدولة لشعبها، إلى تهديد للمجتمع الدولي.
نجحت الخطة لبعض الوقت، واقتنعت بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بأن هناك أولوية أخرى في سوريا، تتقدم على تغيير النظام، هي محاربة الإرهاب.
المثير للتساؤل، أن عمليات القاعدة وداعش الإرهابية وصلت حتى أمريكا وأوربا وشمال أفريقيا، ولكنها لم تقترب من المصالح الإيرانية، فضلا عن أن تضرب داخلها، رغم أن إيران تقع على حدود معاقلهم في أفغانستان والعراق. والإجابة أن إيران معبرا لوجستيا لهم وملجئا آمنا لقادتهم وأسرهم.
أما بالنسبة لقصف الأماكن المقدسة، فلنتذكر أن فيلق القدس، بالتعاون مع المخابرات الإيرانية، هم من ابتدع هذه العمليات. فكما اتضح للأمريكان والحكومة العراقية فإيران كانت وراء تفجير مرقد العسكري الشيعي، وعدد من المساجد الشيعية والسنية في العراق لإثارة حرب طائفية، تعطيها الغطاء للتدخل بعذر حماية الشيعة ومحاربة الإرهاب السلفي.
ويبقى السؤال، لماذا تصر داعش على تجاهل أعدائها الأقرب كإيران وإسرائيل، لتهاجم بلاد الحرمين. ولي في ذلك أكثر من إجابة.
1- من باب الانتقام لمساهمتنا في التحالف الدولي الذي يستهدف دويلتهم في العراق وسوريا.
2- عدم اكتمال شرعية خلافتهم المزعومة بدون تحقيق حلمهم بضم الحرمين الشريفين. (الغريب أنهم لم يضعوا القدس بين أولوياتهم!)
3- بلادنا واحة آمنة مزدهرة وسط عالم يشتعل بالحروب. ولتحقيق فكرة «الفوضى الخلاقة» بتدمير المنطقة وإعادة بنائها وفقا لمعاييرهم، كان لا بد للداعشيين استهداف البنية الأقوى والعمود الأصلب.
4- لتخفيف الضغط على عملائهم في اليمن وسوريا والبحرين ولبنان، تسعى إيران لتوريط المملكة في حروب داخلية، وهو هدف معلن وتهديد تكرر على ألسنة كبار مسئوليها.
ولذلك، فإن على المجتمع الدولي، أن يواجه معنا هذا التصدير الفارسي للثورة والفتن والإرهاب، والذي بلغ حد دعم منظمات تهدد الشرق والغرب، كالقاعدة وداعش وحزب الله والمليشيات الشيعية في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن. وقد تم بالفعل وضع عقوبات أممية على إيران نتيجة أنشطتها الإرهابية، ولكنها على وشك أن ترفع بعد الاتفاق الأخير، مع تلك التي وضعت بسبب أنشطتها النووية.
إستراتجية الإرهاب، ليست جديدة، فقبلها كانت حملة اغتيالات أوائل التسعينات في تركيا وباكستان وغيرها ضد الدبلوماسيين السعوديين، وبعدها جاءت تصفية معارضي الهيمنة السورية والإيرانية في لبنان. واستمرت الحملة حتى تاريخه، ليس فقط في المنطقة، ولكن حتى في بلغاريا وأمريكا والأرجنتين.
ولكن الجديد هو التكتيك. فعملاء إيران تجاوزوا خطوطا حمراء، يعكس أهدافهم ومبادئهم المعلنة، وهي فرصة لنا لكشف زيفهم وخروجهم عن ثوابت العقيدة ومحدداتها. فالنصر لن يأت بالعمليات الأمنية، رغم نجاحها، فحسب. بل علينا أن نكسب العقول والقلوب، أيضا. فوراء كل إرهابي مهووس مرجعيات وخطاب متطرف وجحافل من الدعاة والمحرضين وغاسلي العقول.
نحن بحاجة ماسة في هذه المرحلة لإعادة النظر في المدارس الفقهية التي أخرجت لنا هذا الفكر القاعدي فالداعشي، وإصلاح مرجعيتها، وتنقيح خطابها. كما أننا بحاجة إلى تعاون كافة الوزارات والجهات المعنية، وعلى رأسها التعليم والشئون الدينية والثقافة والإعلام ورعاية الشباب، لتعمل جنبا إلى جنب مع وزارة الداخلية في مكافحة التطرف الديني وإبعاد ممثليه عن المواقع المؤثرة. كما نطالب بدور فعال للمؤسسات الأكاديمية والبحثية والإعلامية. فبالتركيز والمثابرة والتعاون بين هذه الجهات فقط يمكننا تجفيف ينابيع الدعم للتطرف الديني.