د. محمد البشر
إيران بلد جار, حكمها الساسانيون ردحاً من الزمن, وقبل عقود قريبة مضت, قامت الثورة الإيرانية المرتكزة على قاعدة دينية مذهبية, كما هو معروف للقاصي والداني, وأخذ في محاولة التوسع في نفوذها السياسي, مرتكزة على تلك الركيزة التي جعلتها شعاراً للنفوذ والسيطرة.
وفي حقبة من الزمن استطاعت أن تجعل لها موضع قدم هنا وهناك, مستغلة ما حدث في 11 سبتمبر, وذهول المجتمع الإسلامي, وتوالي الضغوط عليه, ولا ريب أن المبدأ أيّاً كان لونه أو طعمه يدغدغ القلوب, ويلهب المشاعر, فلا يمكن أن ننسى الشيوعية, رغم مجانبة نهجها للصواب, لكنها مع ذلك استطاعت جذب دول, وقيادات, وأفراد داخل مجتمعات مناوئة, فكادت أن تصل إلى الحكم في إيطاليا في حقبة من الزمن, لولا التدخل المستميت من المعسكر الغربي أثناء الحرب الباردة, أما في العالم الثالث الذي كان كثيراً ما يتلمس الجدران, لعله يجد باباً ينفذ من خلاله إلى عالم أرحب, أمسك البعض منه بباب الشيوعية, وفتحه ودلف من خلاله إلى سرداب آخر, أشد ظلمة وبؤساً, في الوقت الذي غنم به قادة الحزب بالغنائم جلها, فزاد البؤس بؤساً, كما أن هناك من وضع مضاربه في مرتع الأفكار الظلامية, وانساق وراء آراء غير سوية حاضرة, وأوهام مستقبلية واهية, فهوى إلى منزلق خطير. وكانت إيران حاضرة في المحافل تناور وتبارز, وما تكاد تشتد الأمور حتى تتراجع أدراجها, حتى بخفي حنين كما هو في أغلب أمرها.
استغلت إيران مركب حزب الله اللبناني, وقارب سوريا, رافعة شعارات تجيدها, لكنها لا تفعل شيئاً حيالها, كما تدعي بمناصرة الشعب الفلسطيني, وهو أبعد ما تكون عنه, واستفادت في مرحلة معينة من الوضع اليمني, فأرسلت البعثات, ونجحت في تشكيل مجموعة موالية لها ولاءً مطلقاً.
دخلت أمريكا في حرب مع العراق حرب أولى, وهي حرب تحرير الكويت, وأجمع العالم على نبل المقصد, وأيدوها, وناصروها, وأثنوا عليها, ثم دخلت في حرب ثانية حذر منها المغفور له -بإذن الله- الأمير سعود الفيصل مراراً وتكراراً, وعمل كل ما يستطيع لعدم وقوعها, محذراً من أنها تعني تسليم العراق لإيران, وقامت الحرب, وصدقت رؤيته (رحمه الله), واستلمت إيران العراق من خلال نفوذها القوي.
واستطاعت أيضاً أن تصنع لها مكاناً في السودان, لكنها لم تلبث طويلاً, وحاولت أن يكون لها أيضاً أنصار في المغرب الشقيق من خلال بث مذهبها, لكن المملكة المغربية الشقيقة أدركت بعين البصير, هذا الخطر, فقضت عليه في مهده, وطلبت من السفير مغادرة أراضيها, وكان ذلك قبل ما يزيد عن خمسة أعوام.
استطاعت إيران أن تستفيد من العلماء في الاتحاد السوفييتي, بعد انهياره, وأخذت في نقل العلوم, وبناء قاعدة نووية علمية, ونجحت في ذلك, ثم أخذت في توسيعه وحرف مساره, فتنبهت لها الدول الكبرى, وقررت أن تحجبه, فقامت بالحظر الاقتصادي, والعسكري, والعلمي المعروف.
أما حال إيران الآن, فقد خسرت موقعها في اليمن, ومهما كان الأمر, فمآل نفوذها إلى الاضمحلال أو الزوال, فلن تعود كما كانت مطلقاً, فهي إذاً أقل شأناً هناك, وفي سوريا, أيضاً لن يكون لها ذلك النفوذ السابق, فسندها حاكم دمشق, لم يعد يحكم سوى القليل من الأراضي السورية, ومهما كانت النهاية فإن نفوذها سيكون أقل من السابق بكثير.
وفي البحرين انكشف الغطاء, وسحق المراهنون, وانتهى الأمر, مهما كانت الطبول المرجفة هنا أو هناك, وفي السودان تنبهت الحكومة, وأزالت الواقع والأثر, ولم يعد هناك ما يريب, أما في العراق, فما زالت ذات نفوذ في جزء منه وليس مجمله, وتقلصت المساحة التي مد بها نفوذها, كما أنها أظهرت للعالم عجزها عن تسيير أمور حلفائها.
أما في الملف النووي, فقد خسرت إيران مئات المليارات من الدولارات, خلال اثني عشر عاماً, ثم عادت إلى نقطة الصفر, وتهدلت المعدات, والآلات, والطائرات, لعدم وجود قطع الغيار الأصلية, مما يعني انفاقاً هائلاً في المستقبل, لو استطاعت أن تصدر كمية كافية من النفط, في ظل أسعار متهاوية, لكنها والحق يقال استطاعت إنشاء بعض الصناعات العسكرية, والمدنية المحلية بسبب الحظر المفروض عليها.. تصل إلى ثمانين بالمئة, ومع هذا فهي تدعي النجاح والفلاح, وكل الأمر خسارة في خسارة في خسارة.