ميسون أبو بكر
للأمانة فقط، فإنني حتى هذه اللحظة لم أفهم ماهية برنامج «سناب شات»، ولم أفلح في فهمه، ربما لعدم خوض هذه التجربة، وعلى الأصح رفضها تماماً، لكنني في هذه المقالة مضطرة أن أكتب عنه وعن الأحداث التي فجعتنا أخيراً نتيجة انزلاق المجتمع بشكل كبير في استخدامه.
الخبر الأكثر فجيعة كان وفاة فتاة سعودية تبلغ من العمر أربعة عشر عاماً في أحد أشهر المدن الترفيهية بمدينة زيلامسي النمساوية نتيجة انشغالها بـ»سناب شات» وإرساله لصديقاتها.
في خبر آخر كان طلاق عروسين بعد أسابيع من زواجهما بسبب إصرار الزوجة على مشاركة اللحظات الجميلة مع زوجها على سناب شات، مما يجعلهما لا يستمتعان بلحظاتهما الجميلة -بحسب قول الزوج - وجعل تفاصيلها في متناول آخرين.
عزيزي القارئ، اخترت في هذا المقال القصتين السابقتين من بين عشرات القصص الحقيقية والسخيفة الأخرى التي شاع تكرارها في مجتمعنا العربي، والتي تقرأ وتسمع وتشاهد العجب منها يومياً، فكيف تراها تحوَّلت نعمة التقنية إلى نقمة؟
لماذا تحولنا إلى مجتمع مستهلك بطريقة غريبة ووحشية، وقد فقدنا في زوبعة الإدمان على وسائل التواصل القيم والأخلاق والالتزام بالعادات والسلوكيات الإنسانية؟
فليس أكبر من موت طفلة في حادثة مروعة في مكان كان هو في الأصل للترفيه والمتعة، ومن ثم تحوَّل إلى قطار للموت في لحظة شرد فيها ذهن الطفلة وحواسها وجهدها لجهازها اللعين، لتصل اللقطة بعد مفارقتها الحياة وتتحول لحظات الفرح إلى وجوم الموت المريب.
وليس على الله أبغض من الطلاق، وَمِمَّ! لسبب تافه هو انشغال الزوجة عن زوجها بجوالها وبرامجه الذكية الذي خرج بها من خصوصية وقداسة البيت الأسري ليوثق لحظات جميلة تحوَّلت إلى نهاية مأساوية وخيار غبيّ.
الوقت ثم الوقت ثم الوقت من تجاهلنا أهميته، حتى تصدرت الصحف عناوين أخبار لا تليق بِنَا، فالوقت يمضي والكثيرون شغلهم الشاغل الأجهزة ووسائلها دون أن نستغله في القراءة أو أعمال قد تعود علينا بالنفع.
أصبحت أيضاً وسائل التواصل ومقاطع (اليوتيوب) أداة سهلة لنشر ممارسات قد لا تكون سمة للجميع، لكنها أظهرتنا بشكل سيّء أمام العالم، فبعض الناس يستخدمها دون وعي، وبعشوائية وفضائحية، ومن دون أدنى ثقافة. لعل معظمنا تابع مقاطع الفيديو التي نشرها أصحابها أنفسهم متجاهلين أنها إساءة لهم أكثر من كونها خفة دم عن أعمال قاموا بها وجهلوا أنها مقاطع تدينهم، منها تلك التي انتشرت عن أشخاص يفترشون الأرض في الشانزلزيه ويتعاطون الشيشة ويطهون الطعام قرب أشهر معلم في العالم حيث يرتاده الناس لأثره التاريخي وقيمته (قوس النصر)، وقد يثير هذا سخط الآخرين وشعورهم بإهانة المكان.
وآخرون يصطادون البط في البحيرات والأصح يسرقونها ويطهوها متباهين بفعلتهم.
في دراسة قامت بها بزنس سايدر عام 2013م كان السياح الأمريكان يليهم الفرنسيون هو الأسوأ، لكن ما شاهدنا من مقاطع فيديو قد يقود الرأي العام لشيء آخر رغم عدم صحته إحصائياً.
الجدير بالذكر أن التقنية التي نحن من مستهلكيها ويستخدمها بعض الناس بشكل خاطئ ودون أدنى سلوك حضاري هي سلاح ذو حدين، وقد تقدم صورة خاطئة مشوهة عنا للآخر، وهذا ما نحن في غنى عنه.
لنتوقف قلبلاً ونعيد ترتيب حياتنا، فأنا لا أطالب بمقاطعة التقنية ولكن باستخدامها بوعي ودون التأثير على حياتنا ومن حولنا ومن دون تشويه صورتنا للآخر الذي يتلقاها ويستغلها بأي شكل كان.
خصوصية حياتنا هو أمر مقدس كي لا تصبح في متناول أي كان وكي لا نقوم بالسطو على وقت شركائنا في الحياة سواء أزواجاً أو أبناء أو آباء.