د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
كان يا ما كان في سالف العصر والأوان؛ فتى يُقال له علاء الدين (كان من المطلوبين في عصره) فذهب إلى مغارة ليختبئ فيها، فأطبق القدر باب المغارة عليه؛ وبعد ضيق حيلة رأى مصباحاً يسكنه مارد شيطان حبس نفسه في داخله؛ وخرج المارد الشيطاني من قمقم المصباح في تلك المغارة كما تذكر الخرافة؛ وبدأت قصة إطلاق الأماني لعلاء الدين, ولازمه المارد كظله؛ واشترط على علاء الدين أن يتغلغل في ذاته وفكره وحياته مقابل فتح باب المغارة،
وإن كان ماردا ساقته الصدفة، وخرج من لا شيء إلا أنه يروّض له المستحيل، وهو الفتى الضعيف عقلاً وبدناً، ولم تردف فكره رؤية ولا بصيرة، ولم تكن تلك الوعود سوى موجات متتابعة معبأة داخل حاويات التصدير لعلاء الدين ولغيره من أصدقاء الشياطين الذين يظهرون خلسة من الدروب الخلفية؛ ودائماً ما تكون سهلة الالتفاف على الحقيقة.
وفي العصر الحديث وكما هو مارد علاء الدين، أطلق فصيل «داعش» مردَته في بؤر ممتدة من الأرض يميناً وشمالاً، وروى كل مارد حكايات علاء الدين وقصوره وأمواله المصنوعة في سراديب المصباح السحري؛ وأصبحت أجندة أولئك الدواعش مرآة يعكسون فيها لضحاياهم صفوف الحور العين، وكنوز الدر المكنون، كما سعوا إلى تكوين إطار لضحاياهم في تلك المرآة يحبسونهم في قعرها كما حُبس المارد في المصباح السحري، حتى أصبحوا لا يملكون وجوهاً خاصة؛ بل أصبحوا مخلوقات نمت خلسة على أطراف الأرض، وتنسل مثقلة بقيود الأسياد التي ما تلبث أن تُلقنهم الأوامر فيخرجون ويهلكون الحرث والنسل ويفسدون في الأرض حتى وصل إرهابهم للمساجد فقتلوا الركع السجود، وأصبحوا وكأنهم قد قدموا من كواكب أخرى أو ربما اعتقدنا أنهم بقايا من العصور المظلمة، وزحفوا إلى العصر الحاضر بعدما خرجوا من مصباح علاء الدين أو مغارة علي بابا والأربعين حرامي، ويتبرعم هذا الكيان العابث كالنباتات الطفيلية في حدائق السلم والسلام، ويصنع نقائض الاستقرار الآدمي على وجه الأرض، كما يبث عبر أبواقه ما يزلزل تحقيق التوازن في الأرض الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لعباده حين قال: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (سورة القصص آية 77).
أعلم أنه كثر المتحدثون غيري في تفسير واقع ذلك الفصيل المحدث مفرداً وجمعاً (داعش ودواعش وداعشيات) وكبر مقتاً أنه تجاوز الحدود والحرمات، فأباح دماء المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه البخاري ومسلم في الصحيحين.
كما كان الحديث ساخناً حول أصابع الاتهام إلى من يصنع ذلك الكيان الدخيل القافز من المغارات والكهوف، ومن بؤر التخلف؛ وصرخ العالم بأسره عمن يدعم العبث الدموي السافر؛ وزمرة أخرى من الطروحات حول من يقلب له نصوص الشرع، ويدلّس عليه الحدود ويلوي له النصوص ليتلبّسها حين يتخطى حدود الإنسانية، ويقتحم على الأبرياء سكنهم وسكينتهم، ويزهق الأرواح ويفجر الأجساد أشلاء في بيوت الله التي يضيء فيها الإيمان، حيث المؤمنين على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
والطوق يتسع، والمصائد الداعشية ملأى بالحشرات حتى تفشت الأوبئة في الأصقاع, ومسّ أهلنا القرْح كما مسّ القوم قرح مثله.
ومن القول الفصل في شأن ذلك الفصيل المحدث الحدث ما ورد على لسان معالي خطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن حميد بأنهم «جماعة ضالة جمعت بين فساد المنهج، وظلم المسلك، وأنها خلطت على الشباب فهمهم بادعاءات ملفقة، وأكاذيب مزورة». وقال معاليه أيضاً: «ما رُؤي جماعة أكذب لغة وأفسد منهجاً من هؤلاء سباباً ولعاناً وتقلباً، وما رؤي فئة أكثر افتراء منهم ...» إلخ الخطبة.
وقال نائب خادم الحرمين الشريفين ولي العهد حفظه الله عند زيارته لمسجد قوات الطوارئ في عسير بعد التفجير الآثم (سنرد على داعش في الميدان) وتلكم رسالة القيادة الحكيمة لتلك الفئة الضالة وأحسبها تؤزُهم أزّا.
ولما كنا نعلم ومازلنا أن ظاهرة الإرهاب الآن صناعة داعشية دون شك تسندها بعض التنظيمات الفاسدة الأخرى الطافحة على السطح؛ كما يُذكي أوارها واقع الأزمات الدولية؛ فأنتجت في أعماق السلام خنادقها الملأى بالفكر الضال حين أضعفوا في نفوس المنتمين لهم الإحساس بكفاءة المسلم، وقوته وقدرته على عمارة الأرض، وغيبوا أضواء الوطن وأنواره أمام أعينهم، وقطّعوا أوصال الانتماء الوطني في وجدان ضحاياهم حتى توارت بالحجاب؛ فلا غرو أن القضية الأم التي لابد من الاحاطة بها وتصحيح واقعها هي قضية الشباب؛ فهم مستهدفو داعش في المقام الأول، ومن خلالهم وبهم يحقق الفصيل أهدافه، فلابد من صناعة الشباب الأسوياء، وهو مركب صعب وطويل سلّمه، ومكونات الصناعة هي الإحاطة بالزمان والمكان وأحداث الطفولة والمرافئ الاجتماعية والمادية والفكر ومصادره ومستويات الثقافة.
كل تلك العلائق المتوازية في صناعة فكر الشباب لها خلطتها الخاصة؛ وحتماً فالشباب في جوف الوطن يظللهم وينبض حولهم, ولابد من مشروع كبير لصناعة الشباب الأسوياء يبدأ وينتهي ببناء الفكر السوي والوجدان الندي الطاهر.
بوح إلى شباب بلادي، يقول الأمير عبدالله الفيصل:
مرحى فقد وضح الصواب
وهفا إلى المجد الشباب
عجلان ينتهب الخطى
هيمان يستدني السحاب
في روحه أمل يضيء
وفي شبيبته غلاب
حفظ الله بلادنا وقادتنا وأدام عليها الأمن والأمان.