سعد بن عبدالقادر القويعي
تعتبر بدائل عقوبة السجن فرعا لمبدأ تنوع العقوبة التعزيرية في الشريعة الإسلامية، والتي تدور مع المصلحة وجودا، وعدما، والدالة على أنه يمكن استخدام بدائل للعقوبة بضوابط، وكنوع من السياسة العقابية الحديثة؛ نظرا لزيادة الجريمة على المستويين - الكمي والكيفي -، والمرتبط بالتقدم الإنساني، وتنوع نشاطاته،
وذلك بحسب أحوال الزمان، والمكان، والوقائع، فيحدث للناس من القضاء وفق ما أحدثوا من القضايا؛ استنادا إلى النظر المصلحي الذي يناسب الواقعة، والفاعل، والمجتمع.
بل إن التشريعات المقارنة، تجتهد لتبني إقرار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية بما يناسب حاجتها، ووفق أحكام العقوبة في الشرع ما أمكن، وذلك وفق الشروط الضابطة لموضوعاتها، وبما يُؤطر، ويُقعّد لها، ويحقق المقصود الشرعي منها، ودون أن تتقاطع مع شيء من أحكام الشريعة المطهرة، أو مقاصدها الجليلة، وهو ما أكد عليه نائب رئيس جمعية حقوق الإنسان - الدكتور - صالح الخثلان - قبل أيام -، وفي أول تعليق رسمي حول توجيه وزارة العدل للقضاة بالتريث في إصدار الأحكام البديلة، بأن: «الواجب على وزارة العدل تعزيز تلك الأحكام، وليس التريث في إصدارها»، لافتا إلى أن: «انعكاسات الحكم بالسجن على الجرائم البسيطة سلبية، ولا تخدم الإصلاح»، ومشيرا إلى أن: «تعليق الأحكام البديلة، لا تنصح به الجمعية».
من جانب آخر، وعندما تكثر الوقائع الموجبة للعقاب، فقد جاءت المناداة الواسعة بالنظر في أنواع العقوبات البديلة، وأحوالها المختلفة، فيما يحقق الهدف من كبح جماح الجريمة بأسهل الطرق، وأسلم الأحكام، وأيسرها، وبما يحقق مصالح الإنسان، والمجتمع - معا -، كتقليل تكدس نزلاء السجون، وتقليل النفقات على كاهل الحكومة - على سبيل المثال -، - إضافة - إلى حماية الإنسان من مخاطر المجرمين، وفي المقابل: ضرورة العمل على المحافظة على الروابط الاجتماعية، والأسرية، وجلب الفائدة للمجتمع، وذلك من خلال الخدمات الاجتماعية.
سأتفق مع ما ذكره المتحدث الرسمي لوزارة العدل - فضيلة الشيخ - منصور القفاري، بخصوص التعميم الصادر من المجلس الأعلى للقضاء في الموضوع، بأن نتيجة دراسة تمت في المجلس حول الأحكام التي صدرت ببعض العقوبات، وما ورد للمجلس الأعلى للقضاء من جهات التنفيذ من عوائق قد تواجه تلك الجهات عند تنفيذ مثل هذه العقوبات، ونتيجة عدم وجود آلية محددة للتنفيذ، - وأحياناً - عدم توفر التجهيزات اللازمة لمتابعة تنفيذ مثل هذه الأحكام، - ونظراً - لعدم وجود نظام سابق، وعدم وجود آلية للتطبيق، فقد صدر تعميم من المجلس لعموم القضاة بمراعاة ذلك، وأن الهدف من ذلك، معالجة ما ظهر من معوقات عند التطبيق، باعتبار أن العقوبة إنما شُرعت لردع الجاني، وإصلاحه، وبسط الأمن في المجتمع، من خلال البحث عن العقوبة الأقرب لتحقيق مقصود التشريع، ومع وجود عوائق تحول دون تنفيذ العقوبة البديلة، فإن صدور الأحكام بها، والحال كذلك يتنافى مع الغايات، والأهداف المرجوة من إيقاع العقوبة، إلا أنه يمكن تدارك ما ذكره فضيلة الشيخ، ببيان الضوابط التي يجب أن تصاحب الأحكام بالعقوبات البديلة، والتي تضمن عند التنفيذ إصلاح الجاني، والحفاظ على المجتمع آمناً مطمئناً.
في تقديري، فإن الوقت قد حان لتطبيق العقوبات البديلة، وذلك في ظل ظهوركثير من المستجدات الاجتماعية، والاقتصادية، وبما يكفل حماية المجتمع؛ جلبا للمصالح، ودرءا للمفاسد. ومن هذا المنطلق، فقد صدرت أنظمة عديدة في المملكة العربية السعودية تقرر العقوبة البديلة، ومن ذلك: نظام الاستبدال الصادر بالمرسوم الملكي رقم 22، وتاريخ 26-8-1380هـ، وغيرها من الأنظمة التي تضمنت نصوصاً تقرر الأخذ بالعقوبة البديلة دون الأصلية، منها - أيضا -: نظام الجمارك، ونظام أمن الحدود، ونظام العقوبات العسكري، ونظام مكافحة التزوير.
بقي أن يقال: إن ترك السلطة التقديرية للقاضي ليحكم بالعقوبة البديلة التي تتناسب، وحال الجاني، وأهداف المجتمع، وسياسة الإصلاح، هو عمل بالسياسة الشرعية، عندما يكون متوافقاً مع الضوابط المنصوص عليها في الحكم القضائي. - ولا شك - في أن من أولى أوليات هذه الضوابط: مراعاة الأحكام الشرعية؛ من أجل تحقيق المصلحة العامة، والحاجة إلى تفعيله عن طريق وضع دليل استرشادي، متضمناً الجرائم التي يوضع لها بدائل، بناء على نوعية الجرم، مع مراعاة ظروف الجاني.