عبدالله بن محمد السعوي
تحتل وزارة التعليم مكانة خاصة، وذلك لدورها الرئيس في تشكيل عقول الأجيال وبناء منظومة الوعي العام وتوجيهه نحو المسارات الآمنة، ومن هذا المنطلق أهمس في أُذن معالي الوزير وبكلمات أُرقِّمها باختصار كالتالي:
1 - لقد ورثت - يا عزام - تركة مثقلة بالأحمال والمسؤوليات والأعباء الإضافية مما يجعل التبعة مضاعفة والأمانة بالغة الضخامة، لكن بالتصميم والإرادة النافذة وبالتخطيط الإستراتيجي والعمل المؤسسي يسهل الصعب ويتم بلوغ المنى، ومن هنا لا بد من التأكيد على أنه لكي يتطور أداء الوزارة، ولكي تدور عجلة إصلاحها بإيجابية عالية لا بد من المعاينة الدقيقة لبواعث الخلل وألوان العلل التي خلخلت البنية التعليمية وشوهت تركيبتها العضوية وصادرت قدرتها على التأثير, لا بد من التشخيص الحقيقي الفاعل لمواطن التردي ومحفزات الانحدار؛ لأن النجاح في تحديد أوجه القصور الذاتي ورصد معالمها وفهم طبيعة تكوينها وتشخيص الداء هو الباعث الأول والفعّال لنجاح الدواء, وبالتالي قدرة تلك الحيثيات العلاجية على توفير الشفاء - أو قدر كبير منه - لهذه المنظومة التعليمية، ومن ثم القضاء على كل فساد ينخر في جسد هذه الوزارة التي بلغ بها السن عتياً فأدركتها الشيخوخة وترهّلت ملامحها ودخلت في حالة من الموت «الإكلينيكي» حيث لم تعد قادرة على مواكبة العصر والتفاعل مع هذه اللحظة الزمنية المعولمة!
2 - لا بد من التخلص من وضَرِ ذلك النمط التقليدي الذي أضحى له سلطة وامتداد أصاب الوزارة في مقتل، بل جعل هذه الوزارة تبدو أمامنا وقد بلغت - بل تجاوزت - سن اليأس، وبالتالي انعدمت فرص ولادتها لمخرجات حيوية تثري المشهد وتفي بمقتضيات المعاصرة، وهذا لا يمكن أن يكون من غير فلترة الوزارة وغربلة مكوناتها وتخليصها من شوائبها وتحريرها من أَسر ذلك الاتجاه التقليدي الذي عشش وفرخ وصار جزءاً لا يتجزأ من كينونة تلك الوزارة حتى بات حجر عثرة أمام كل خطوة تجديدية يُراد بها تجاوز النمط الإستاتيكي الذي يُعاني من «فوبيا» التحديث فهو يرهب التغيير - الله لا يغير علينا! - وينفر من التطوير؛ لأن التطوير مرحلة عليا متقدمة هي أغلى وأعلى وبكثير من إمكانيات هذا النمط ومقاييسه المتواضعة!
هذا النمط الإستاتيكي العاشق للتصحر تعمّقت جذوره وبات عصياً على الاندثار مما جعل الوزارة «مكانك سر»وإن سارت يوماً مّا فبطريقة «سلحفائية» نعاين ملامحها في ضحالة المخرجات وفي ذلك القصور الإنتاجي الذي لا يتواكب أبداً مع حجم هذا الصرف المادي الباذخ على الوزارة.
3 - ومن جهة أخرى - يا معالي الوزير - أحسبني لست بكبير حاجة إلى تذكيركم بضرورة التخلص أيضاً من تلك الحالة الأخلاقية والتي فتكت بمشهدنا الاجتماعي.. تلك الحالة التي تتمثَّل في تلك الحثالة الوصولية المرتزقة والتي تتعاطى مع الوزارة بوصفها «كعكة» أُعدت للالتهام, وآية تلك الشرذمة أنها - وبتذاكٍ مفضوح يتعذّر على العين أن تخطئه مشاهَدَةً! - قد جعلت من التزلُّف والمجاملات المكشوفة والأدبيات التطبيلية والابتسامات الصفراء والتصفيق للشيء ونقيضه في آن واحد، جعلت من كل هذا طريقاً قاصداً إلى التقرب وتحقيق مصالح الأنا الضيقة على حساب مصلحة وطن ومستقبل أمة ما زالت أجيالها تتطلع إلى الكثير.
4 - تدرك - يا معالي الوزير - أن البعد التراكمي عنصر هام في كل فعالية تطويرية, البعد التراكمي بحد ذاته عنصر فعال في إنضاج الحراك الإصلاحي وتلوين مساراته وإكسابه المزيد من القوة والتماسك. وهذا العنصر بالتحديد هو ما أخال أنه أحد أبرز الأشياء التي تفتقدها الوزارة وإلى حد كبير, إذ ليس كل وزير مكملاً للآخر بقدر ما أن لكل وزير- وطيلة مدة استوزاره! - اعتباراته وحيثياته وسربه الخاص الذي يتعذر عليه التغريد خارجه حتى أضحت الوزارة «مقود - دركسون» تتنازعه الأيدي إلى هذا الاتجاه أو ذاك كل يريد أن يُفصّل تلك الوزارة على ضوء مقاساته ووفقاً لحمولته المفاهيمية، وكل ما جاء وزير واستلم تلك الحقيبة الوزارية بدأ فوراً بالعمل على نقض غزل سابقه وجعله أثراً بعد عين.
حينما تكون العلاقة بين الوزارات المتعاقبة علاقة غير تكاملية, علاقة انفصال لا اتصال فإنه لا يمكن أن ينبثق عن ذلك خطوة إصلاحية ناجزة؛ لأن العمل بكليته سيكون مفككاً لا قوام يحكمه ولا رابط ينتظمه، وحينئذ وحينما كل يغني على ليلاه، وحينما تضمر ملامح الكيان العضوي الواحد المتساند فلا تسأل بعد ذلك عما سنجنيه من حجم الخسائر على الصعيدين: المعنوي والمادي كحالة مآلية طبيعية إذ لا يمكن أن تجني من الشوك العنب!
5 - إن تغيير النظام الـ «سستم» أو تطويره والتركيز عليه والتحوير في وظيفته وتحديث مساراته وجعل كافة الجهود تصب في ترشيد سياقاته المعقدة لتتناغم واشتراطات المنجز المعرفي المعاصر هو الضمانة لحراك تعليمي أفضل - وبلا مقارنة! - من الاشتغال على المعطيات المتقلبة والانشغال بالتمظهرات الشكلية والالتفاف حول مفردات نائية عن المضمون، وإنما هي فقط تلتهم الوقت وتستهلك الجهد وتهدر المال وتحيل الهامش إلى متن تُنفَق فيه كافة المشغولات ومن دون أدنى جدوى, ولا غرو فالعناية بالفرض - وهو فرض موسع هنا - أولى من العناية بالنفل لا سيما إذا كان النفل من «ذوات الأسباب» والتي ذهب «الجمهور» إلى كراهة مباشرتها في أوقات النهي، بل إن النووي» نقل الإجماع على ذلك.
إن الإصلاحات الحقيقية هي تلك التي تخترق حواجز البيروقراطية فتتجاوز المظهر إلى الجوهر, إنها لا تقف عند القشور، بل تمتد إلى الأعماق إذ هي مرتبطة باشتراطات الصيرورة، ولذا فهي تتجاوز ذاتها وبشكل جدلي تفاعلي مستمر لا يعرف التوقف... يتبع