د. محمد بن يحيى الفال
في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الجاري يحل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ضيفاً على الرئيس الأمريكي باراك أوباما في زيارة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولتأكيد تاريخية الزيارة والتي كانت مقررة مبدئياً قبل أشهر قليلة خلت على ضوء القمة الخليجية الأمريكية التشاورية والتي عقدت بين الجانب الأميركي وزعماء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي غاب عنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لتزامنها مع بدء فعاليات عاصفة الحزم، العملية العسكرية الموجهة ضد الحوثيين وقوات صالح من أجل استعادة الشرعية اليمنية التي قوضها انقلاب الحوثيين المدعومين من ملالي طهران. وتتضح أهمية الزيارة بأن الرئيس أوباما حرص أن يحمل دعوتها للملك شخصية أمريكية عالية المستوى تمثلت في وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر وذلك خلال زيارته الأخيرة للمملكة.
تأتي الزيارة والمنطقة تشهد فترة من أشد وأحلك الفترات ظُلمة واحتقاناً، حقبة تشهد تدخلات وعربدة غير مسبوقة في الشئون الخليجية والعربية من قبل ملالي إيران واضطهاد الدولة في إسرائيل وإرهابها وتخليها عن كافة التزاماتها الدولية بما فيها حل الدولتين، مروراً بجرائم بشار الأسد في سوريا ضد شعبها والذي أضحى دمهم مستباح ليل نهار وتنقل لنا مأساته وسائل الإعلام بشكل يومي، والعراق الذي تخلت عنه الولايات المتحدة بانسحابها المفاجئ منه وتركته فريسة لإيران لتكون النتيجة نشأة أفظع تنظيم إرهابي تشهده المنطقة والمتمثل بتنظيم داعش.
تأتي زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لواشنطن والرئيس أوباما لم يتبقى له في عهد ولايته الثانية والأخيرة سوى ما يقارب السنة وأشهر، ومع البدء الفعلي للسباق المحموم بين المرشحين للفوز بسدة البيت الأبيض، ومن المتوقع بأن الملفات التي سيبحثها الزعيمان في غاية الأهمية والحساسية كالقضية الفلسطينية، الملف الإيراني، القضية السورية وتهديدات التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش. ويمكن القول بأن سجل الرئيس أوباما في المنطقة لم يكن مشجعاً على الإطلاق، والبراهين والشواهد تؤكد ذلك. فالرئيس أوباما يمكن أن يُطلق عليه لقب رئيس النوايا الحسنة ولعل سبب ذلك يعود إلى خلفيته القانونية ومهنته في قطاع المحاماة. والأمثلة على نواياه الحسنة التي لم تتبعها أفعال كثيرة وعديدة، ويمكن تتبع بداياتها في خطابه الشهير في القاهرة في الرابع من شهر يونيو 2009، والذي بدأه بشكره لكل من جامعتي الأزهر والقاهرة لإعطائه الفرصة للتحدث للعالم الإسلامي مؤكدا بأن المسألة التي يجب مجابهتها بلا هوادة هو التطرف بكافة أنواعه وأشكاله موضحاً بأنه صرح بذلك خلال خطابه في البرلمان التركي وبأن أمريكا ليست ولن تكون في حرب مع الإسلام وبأنها سوف تتصدى لمتطرفي العنف وبأن سبب ذلك يعود بأن أمريكا ترفض ما يرفضه أهل كل المعتقدات مثل قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. وفي خطاب القاهرة استبشر الفلسطينيون خيراً حيث أكد بأنهم عانوا في سعيهم لإقامة وطنهم، وتحملوا معانة النزوح لأكثر من 60 سنة، حيث ينتظر العديد منهم في الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة لكي يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن، وهي الحياة التي لم يستطيعوا عيشها حتى الآن. مضيفاً بأن الفلسطينيين يتعرضون لإهانات صغيرة وكبيرة وبأن وضعهم لا يطاق وبأن أمريكا لن تدير ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين والتي وصفها بتطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم. وبمقارنة الخطاب بالواقع نرى فرقاً كما مابين الثرى والثريا، فعلى أرض الواقع استمرت إسرائيل في قمع الفلسطينيين وبناء غير مسبوق ومحموم للمستوطنات على أراضي الضفة الغربية والتي تعتبرها كل المواثيق الدولية أراض محتلة، وتهويد لمدينة القدس واقتحام ممنهج ومستمر للمسجد الأقصى من قبل قطعان المستوطنين، في مشهد ملخصه بأن إسرائيل وخلال ولايتي الرئيس أوباما قامت بتجاوزات لم تكن تحلم أن تقوم بجزء منها خلال الرؤساء الأمريكيين الساقين. ومع كل المميزات التي حصلت عليها إسرائيل خلال ولايتي الرئيس أوباما نجد سفيرها السابق في واشنطن مايكل أرون (2009- 2013) والذي تخلى عن جنسيته الأمريكية ليتسنى له أن يعمل في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي أصدر كتاباً بعنوان» الحليف»، ALLY»»، ينتقد فيه الرئيس أوباما انتقاداً شديدا موضحاً بأنه مسلم يُخفي إسلامه، ويورد دلائل على ذلك منها بأن أول مقابلة أجراها للإعلام الخارجي كانت مع تلفزيون دبي، والمحادثات التلفونية الأولى التي تمت بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة كانت مع قادة دول إسلامية، وبأن أول زياراته الخارجية كانت لبلاد إسلامية هي مصر وتركيا. ويُشير في كتابه المثير للجدل بأن الرئيس أوباما تخلى عن شرطين أساسيين متفق عليهما بين ساسة البلدين في أمريكا وإسرائيل، وهما بأن لا يفاجئ إحداهما الآخر بقرارات أو مواقف، والشرط الآخر هو أن لا يحدث اختلاف علني بين مواقف البلدين.
وكما فعلت إسرائيل من عربدة ضد الفلسطينيين كذلك كان هو الحال مع حكومة الملالي في إيران، والتي تدخلت في سوريا بدعمها لنظام دموي وتزوده بكافة أنواع الأسلحة وبجنود من الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية كلواء أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق. ومدت أذرعتها للتدخل في الشأن اللبناني لتقوض انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنة ونيف. وللمزيد من إشعال المنطقة تدخلت في الشأن اليمني من خلال حلفائها الحوثيين والذين تؤكد تقارير الأمم المتحدة بأن ملالي إيران يزودونهم بالأسلحة منذ سنين خلت وتم القبض على سفن تحمل أسلحة لهم قادمة من إيران. وكانت نتائج جرائمهم في اليمن إسقاط الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، مما وضع المملكة والتحالف العربي أمام أمر لا مفر منه وهو إعادة الشرعية لليمن مهما كان الثمن ولترسل رسالة لا لبس فيها لملالي طهران بأن المملكة لن تسمح مطلقاً لإيران أو غيرها بتهديد أمن منظومة أمن دول الخليج العربية واليمن. وبأنها سوف تلاحق كل أذناب ملالي طهران والذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء مهما طال الزمن، وكان آخرها الإنجاز الأمني في القبض على أحد مسئولي تفجير الخبر الذي وقع عام 1996 ونتج عنه مقتل 19 عسكرياً أمريكياً وجرح 372 آخرين، وهو أحد المطلوبين في التفجير والذي وضعه مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) على قائمة مطلوبيه بمكافأة تبلغ خمسة ملايين دولار. جرائم ملالي طهران في المنطقة لا حصر لها، وقطعاً سوف تزداد ضراوة مع توفر السيولة والوفرة المالية بعد حل ملفها النووي مع الغرب والذي سيرفع عنها العقوبات المفروضة عليها وإعادة التمثيل الدبلوماسي معها واستعادتها لأموالها المجمدة. ولقد بدأت بوادر تصعيد تدخلاتها في المنطقة بالكشف عن خلايا الإرهاب المدججة بالسلاح في كل من البحرين والكويت، والكشف عن المتفجرات المهربة للمملكة عن طريق البحرين، إضافة لتصعيدها لنزاعها مع الكويت على حقل الدرة الواقع في الجُرف القاري في الخليج العربي وترفض دعوة الكويت للاحتكام الدولي كما رفضت ذلك في موضوع احتلالها للثلاث الجزر الإماراتية، وصعدت الأمور بأن وضعت الحقل على قائمة استثمارات إيران المعروضة للتعاقد مع الشركات الأجنبية. السؤال المطروح على الإدارة الأمريكية هو لماذا لم تلتفت إلى مخاوف دول المنطقة عند إبرامها لاتفاقها مع ملالي طهران؟!، وهي مخاوف حقيقية تؤكدها احقائق والشواهد على الأرض في منطقة تشكل أهمية قصوى للعالم واقتصاده.
سجل الرئيس أوباما لما يحدث في سوريا هو الآخر مخيب للآمال، فبعد أن صرح علانية وفي خطاب للأمة الأمريكية بأن استعمال الأسد للسلاح الكيماوي سيكون خطاً أحمر سوف يستدعي تدخلاً عسكرياً أمريكياً، واستعمل الأسد السلاح الكيماوي في الغوطة ونقلت لنا الشاشات المئات من ضحايا جريمة الأسد وهم ملقون على الأرض جُلهم من الأطفال وأفواههم ترغي بفعل الكيماوي كما جاء في وصف الرئيس أوباما والذي تعذر بأن سبب عدم التدخل عسكرياً بعد استعمال الأسد للسلاح الكيماوي يعود لعدم موافقة الكونجرس الأمريكي. علماً بأن السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن مايكل أرون صرح بأن السبب الحقيقي في عدم تدخل الرئيس أوباما في سوريا بعد حادثة الكيماوي هو بأن أوباما اقتنع بوجهة نظر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير استخباراته يوفال شتاينتش بعدم جدوى التدخل الأمريكي والتركيز عوضاً عن ذلك على تدمير مخزون الأسد الكيماوي والذي انصاع له الأسد. بلغت تداعيات الأزمة السورية القارة الأوربية حليفة أمريكا الرئيسة بالآلاف من المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل وابتلع البحر الأبيض المتوسط جثث المئات منهم في مظهر غاية في التراجيديا السوداء والذي أكده مفوض الأمم المتحدة الذي صرح مؤخراً بأن هناك أكثر من 12 مليون سوري هجروا من أماكنهم في داخل وخارج سورياـ أي ما يقارب نصف عدد سكان سوريا.
الوضع في العراق هو سجل آخر يُظهر جلياً تخبط الإدارة الأمريكية سواء كان ذلك التخبط مقصودا أو عن غير عمد، بدأ منذ جون بريمر الذي حل الجيش العراقي وغرق بسبب ذلك العراق في طائفية لم يُعرف لها مثيل كان عرابها المالكي بثماني سنوات عُجاف كان من نتائجها ظهور التنظيمات الإرهابية الشيعية والسنية والتي تميز فيها تنظيم داعش بوحشية غير مسبوقة. وكانت نتيجة سياسة المالكي الطائفي سقوط مدن رئيسة كالموصل في أيدي التنظيم. وتشكلت إستراتيجيته الرئيس أوباما لمواجهة التنظيم والذي شكل تحالفا دوليا في محورين هما، الأول استخدام القوة الجوية ضد داعش، والثاني تولي قوات صديقة مهمة دحر داعش على الأرض، ونوه أوباما عن إستراتيجيته هذه في خطاب تلفزيوني للأمة الأمريكية بأن هذه الإستراتيجية للقضاء على داعش قد نجحت في القضاء على تنظيمات إرهابية في اليمن والصومال وبأنها سوف تستغرق وقتاً. ولكن الواقع ينافي ما صرح به الرئيس أوباما فالوضع في اليمن كارثياً ولم يعد التهديد يقتصر على القاعدة المختبئة في الكهوف بل تعاده إلى إسقاط الحكومة الشرعية من قبل الحوثيين المدعومين من ملالي إيران مما استدعى لتدخل المملكة والتحالف العربي بطلب من الحكومة الشرعية وبتفويض دولي من مجلس الأمن. ومؤخراً وقعت الولايات المتحدة اتفاقا عسكريا مع تركيا التي انكوت هي الأخرى بجرائم داعش لمواجهة هذا التنظيم ولانضمام تركيا للتحالف الدولي لمواجهة داعش، ويسمح الاتفاق باستخدام القواعد الجوية التركية لشن غارات على التنظيم. بيد أن كل المؤشرات الحالية والسابقة في الحروب والنزعات العسكرية تؤكد بأن الاقتصار على العمليات الجوية بدون تدخل بري من قوات ذات تدريب عال لن يجدي نفعاً في المحصلة النهائية في القضاء على داعش ونرى ذلك جلياً في العراق.
لعل الكثير من المواقف الغير واضحة في السياسة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما مردها كونه هو نفسه رئيسا استثنائيا في بلد تلعب فيه المجموعات والقوى ذات المصالح (LOBBIES)، دوراً في توجيه بوصلة سياسته الداخلية والخارجية وكون الرئيس أوباما جاء من المكون الغير مهيمن على الشريحة الديموغرافية والسياسية والاقتصادية في أمريكا 0Main Stream، جعله يتحرك بريبة وحذر وأحياناً بتردد في الكثير من القرارات التي يتخذها. ومع قول ذلك فلا شك في أن الرئيس أوباما يعتبر العلاقات السعودية الأمريكية مهمة للغاية للبلدين ويقدر ويثمن دور المملكة الإقليمي والعالمي، ويتضح ذلك في كونه شخصياً زار المملكة ثلاث مرات وكانت زيارته الأخيرة للتعزية في وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله حيث قطع زيارته الرسمية للهند لتقديم واجب العزاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ليحل في الرياض برفقة وفد عالي المستوى من كبار الشخصيات والسياسيين الأمريكيين.
زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التاريخية لأمريكا فرصة ثمينة لبحث الملفات المشتركة بين البلدين بشفافية وبروح الصداقة الحقيقية التي لا مفر منها خلال الزيارة حيث أن الكثير من الأمور في المنطقة تشابكت وتداخلت وآن الأوان لاتخاذ قرارات جريئة لمواجهتها، وكما يقول الأمريكيون في مثل هذه الحالات» «THE STAKES ARE HIGH