د. حمزة السالم
أشار الدكتور سعيد الشيخ إلى أن البنوك قادرة على تسييل أذونات ساما واستثماراتها الخارجية الزائدة عن مطلوباتها الأجنبية، لتصل السيولة الممكن إقراضها للحكومة إلى 480 مليار ريال إذا ما أضيف لها السيولة المتوفرة لديها في سوق السايبر واللتي تدور حول 50 مليار ريال. وهذه معلومات تحتاج إلى شرح ذاتها، كما تحتاج لتفصيل يجعلنا نقرأها بصورة أخرى. فالدكتور الشيخ أشار بأن عجز الميزانية قد يصل إلى 350 مليار. فقد يفهم البعض، أن مقدرة إقراض البنوك تتوقف عند 480 مليار. بينما مقدرة البنوك على إقراض البنوك للحكومة في الواقع غير محدودة برقم. ولكن استطاعة الحكومة على الاقتراض محدود باحتياطياتها وإيراداتها الأجنبية.
فنحن في زمن النقد الرقمي الواقع منجمه في حواسيب مؤسسة النقد، لا زمن النقد السلعي المحدود، كالذهب.
فالخمسون مليار هي كاش رقمي زائد عند البنوك عن الاحتياطيات الإلزامية المفروضة مقابل وادئع الموديعين. هذا الكاش الرقمي الزائد هو ما تستطيع البنوك الإقراض منه للعامة، وتغطية سحب المودعين من وادئعهم. وعندما ينقص هذا الكاش الزائد عند أحد البنوك، يقترض من البنك الآخر بفائدة السايبر، أو تقترض من مؤسسة النقد بفائدة الريبو. والبنوك لا تبقي عندها كاش دون أخذ فوائد. لذا فالخمسون مليارا، مُودعة عند ساما على فائدة الريبو العكسي التي هي أقل فائدة - اختيارية - ممكنة على الريال السعودي. (والبنوك المتأسلمة تودع عند ساما مقابل اقتراض مثل فائدته منها).
أما أذونات ساما فهي في الواقع سندات مؤسسة النقد قصيرة الأجل متراوحة المُدد إلى سنة، تستخدمها ساما للتحكم في سيولة النقد في السوق السعودي. فتسحب الكاش ببيعها على البنوك وتضخ الكاش بشرائها من البنوك. وهي عموما في غالبها تقابل رأس المال والمخصصات والمطلوبات، (ولعل هذا يشرح وجود أذونات ساما لأسبوع بفائدة أقل من الريبو العكسي؟ فالبنوك مجبرة باتفاقية بازل على حفظ ما يقابلها بشبه الكاش، ونسبة من الُمتطلب، يجب فيه شروط ائتمانية وسوقية خاصة، فساما تعطيها فائدة مساوية لما يمكن أن تحصل عليه البنوك من السندات الأجنبية الموافقة لبازل).
وهذه الأذونات هي المائتا مليار تقريبا التي أشار إليه الدكتور سعيد الشيخ بأنها سيولة متوفرة لإقراض الحكومة، وذلك لأنها يُمكن أن تُستبدل بسندات حكومية، وتبقى موافقة لاتفاقية بازل. فالبنوك إذا مستفيدة من ذلك فعوائد السندات الحكومية اعلى من الأذونات. فإقراضها للحكومة هو مجرد استبدال سندات ذات عوائد منخفضة بسندات ذات عوائد عالية، وذلك رزق الله يؤتيه من يشاء. (إلا إن أردنا بهندسة مالية نظامية ان نستغني عن دفع الفوائد، ولكن أين المُشمر).
ولكن هل هذه السيولة هي فقط ما يمكن أن تقرضه البنوك للحكومة؟ التفصيل هو أن المائتي مليار التي هي بالعملة الأجنبية، تعتبر هي االسيولة المحدودة التي يمكن أن تقدمها البنوك للحكومة.
فلو افترضنا أن الحكومة استنفذت كل السيولة التي أشار إليها الدكتور سعيد الشيخ، فعندها ستقترض البنوك من مؤسسة النقد ثم تُقرض ما اقترضته للحكومة. فتزيد مطلوبات البنوك بقروض عليها للمؤسسة وتزيد موجوداتها بسندات حكومية. وهناك ما سيعود للبنوك من الكاش المُقرض للحكومة عن طريق أيداعات المجتمع. وهذا سيخفف من تضخم حسابات البنوك.
وهذه الدائرة يمكن أن تستمر إلى لا نهاية، لولا أننا مجتمع نستورد أكثر حاجياتنا من الخارج. فما تقترضه الحكومة وتنفقه محليا فغالبه سيذهب للخارج في تلبية حاجات السوق الاستيرادية. وهذا هو العائق الذي يمنع من الاستمرار إلى ما لا نهاية في دورة اقتراض البنوك من ساما ثم إقراض ما اقترضته للحكومة.
فإذا فالسيولة التي يمكن أن تقرضها البنوك للحكومة مرتبطة بالاحتياطيات الأجنبية للدولة. فكل أربعة ريالات إلا ربعا، تخرج من البلاد للاستيراد ونحوه، تبدلها ساما بدولار من الاحتياطيات، ثم تمسح الريالات من كشوفاتها. ومقدرة ساما محدودة الآن بما يقارب ترليوني ونصف ريال، يضاف إليها ما يُباع سنويا من بترول.
فانخفاض سعر النفط لا يعني انعدام الإيرادات النقدية الأجنبية. فلو افترضنا أن كل ما تصدره المملكة من السلع انخفضت قيمته للنصف - وغالبه بترولي-، فبحساب عام 2014 فسيدخل على الحكومة مبلغاً اجنبياً قيمته 642 مليار ريال، ولنقل 500 مليار لحساب انخفاض الإنتاج. فلو استمرينا على نفس معدل الاستيراد للسلع والخدمات والتحويلات المالية الأجنبية من العمال والمواطنين فسنحتاج إلى عملة أجنبية قيمتها ترليون ريال، وهذا دون حساب التضخم (لأنه تقريبا سيُلغى بتضخم قيمة صادرتنا).
إذا فالعجز ذو الأثر الحقيقي يقع هنا، لا في ميزانية الدولة ولا في قدرة البنوك على الاقراض. فنحن على هذا الحساب التقريبي وبافتراض بقاء سعر البترول حول الأربعين، نستطيع ان نصبر على نفس مستوانا الاستهلاكي لمدة عشر سنوات تقريبا.
فلو كنا نُنتج على الأقل نصف ما نستهلك لكانت عشرين سنة. والواقع يؤكد أننا لا يمكنا أن ننتج نصف ما نستهلكه في المنظور القريب، فلو أننا نضبط الفساد المالي والإداري بحزم، لأغنتنا عائدات البترول والاحتياطيات والبترول إلى ان نصبح مجتمعا مُنتجا. فهل نحمل هم البلاد والأولاد، فنقطع دابر الفساد أو سيغلبنا تسويف الأيام حتى لا نجد ما نستورد به حاجياتنا.