د.خالد بن صالح المنيف
يتحدث علماء النفس عن حالة نفسية غاية في الغرابة ألا وهي مايسمى بـ(اكتئاب ما بعد الأولمبياد) وهي حالة غريبة تثير الدهشة؛ فالمصابون بالاكتئاب من هؤلاء الرياضيين ليسوا الذين أخفقوا في نيل ميدالية وليسوا من الذين رشحوا وما ابتسم الحظ لهم وإن كان غبار الهم يصيب هؤلاء ولكن الاكتئاب الأشد يصيب بعض الذين تقلدوا الميداليات وحققوا الانتصارات!
فما السر ياترى في تلك المفارقة العجيبة والحالة الغريبة؟!
تفسيرا لحالة هذا الاكتئاب الغريب هو أن هؤلاء الأبطال كان منتهى طموحهم وغاية أمنياتهم تلك الميدالية! وبعد أن نالوا ما تمنوا وحققوا ما أرادوا وقفوا وغطوا في سبات عميق! فلم يرسموا خطة للغد وما استشرفوا المستقبل؛ فغدت حياتهم خالية من الأهداف وأمام هذه الوضعية تقلصت سعادتهم وضاقت صدورهم!
فالفلاشات توقفت, وذاك الاهتمام انتهى, وتلك الحظوة تلاشت! فكل هذا كان مرتبطا بتلك الميدالية التي زينت صدورهم في لحظة ما!
وفي حالة متشابهة ذلك الاكتئاب الذي جلل أرواح رواد مركبة (ابوللو) والذين صعدوا للقمر بآمال مجنحة وتوقعات بلا سقف تجاه المتعة التي سيجنونها من المشي على القمر وعندما رجعوا للأرض وجدوا أن الكثير من الأشياء على الأرض أقل جهدا وأكثر متعة !
كم يبدو اليوم تعيسا أليما ومصدرا للمشاعر السلبية عندما يخلو من هدف يسعى إليه أو إنجاز يحتفل به ! وإن لم نصبح أفضل غدا فما حاجتنا لليوم!
وما أروع سيرة البطل المسلم الطموح العبقري محمود الغزنوي رحمه الله الذي ظل يحارب دون فتور نحوًا من سبع وعشرين سنة! وقد امتدت امبراطوريته القوية من نهر الفاتح في الهند إلى نهر دجلة في الغرب ومن المحيط الهندي جنوباً حتى نهر اموداريا شمالاً.
ارسم خطة وسر لتحقيق هدفك مستعينا بالله نحوه بهمة وعزيمة وتفاؤل وعندما تلوح لك أنوار هدفك مؤذنة باقتراب وتحقيق؛ فارسم هدفا أعلى وابن قمة أبعد ! وهكذا تدار الحياة.
ولمايكل انجلو النحات والرسام العبقري جملة رائعة يقول فيها: الخطر لداهم والتهديد الكبير ليس في كون أهدافنا صعبة المنال ووعرة الطريق ؛بل يكون في كون أهدافنا صغيرة متواضعة ! وابن الجوزي يدفعك للمعالي وقمم المجد بقوله :ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه ,فلو كان يتصور لآدمي صعود السماء لرأيت من أقبح النقائص رضاءه بالأرض !
وكيلا تقع في الأفخاخ المؤذية وحماية لحياتك واستثمارا لقدراتك فمن الأفضل أن تحدث نفسك بأنك قطعت أول الطريق حتى بعد أن تجتاز 90% منه!
فالنفس تدعو على نحو مستمر للقعود والسكون وتفضل الدعة والخمول والغايات العظمى تفزعها فهي لا تفتأ تخذلك وتخدرك بجملة من المبررات والأعذار بل وتجتهد في صناعة العقبات واستحضار الحواجز والمشكلات.
لاتقف عند هدفا ولا تركن لنجاح ولا تذهلك نشوة نصر ولا ترقص كثيرا في حفلة فوز, ولكي تستمر منتجا معطيا ذا مستوى عال من الصحة والإنجاز والسعادة وحب الحياة عليك أن لاتفتر عن وضع أهداف أعلى وغايات أعظم ,وتذكر أن اختيارك لتيار مستمر من الأهداف الملحة كما يذكر روبن شارما سوف يحرر كمال مواهبك!
وهذا نمط الناجحين وعادة المتفوقين فلا تجدهم يقفون عند حد معين من أهداف حققوها ولا عند منجزات بنوها ولا عند مجموعة كتب قرأوها ولا عند مبلغ معين وصلوا إليه ولا عند كمٍ من الدورات حضروها بل تراهم في حراك دائم وشغف مستمر!
وللأسف أن معظم البشر لا يستغل إلا جزءا بسيطا من قدراتهم ونادرا ما ترى من يستثمر قدراته ويتمثل هذا في عدم سعيهم نحو التطور وعدم امتلاكهم الرغبة نحو التمدد, ويكفي أن تعرف أن نسبة كبيرة جدا من الجامعيين لا يفتحون كتابا بعد تخرجهم ! وما أبلغ ما جاء في رواية البؤساء على لسان أحد أبطالها(جان فالجين) عندما قال :لايهم أن تموت ولكنه شيء فظيع أن لا تحيا أبدا!
وأعدى أعداء النجاح وألد خصومة هو النجاح! فللنجاح سكرة ونشوة تذهل عن المستقبل وتضعف القدرات وتحد من الطموح والقاعدة تقول: ما جعلك تنجح بالأمس لن يشفع لك في النجاح اليوم!
يقول جورجلوريمر: إذاكنت تريد أن تشعر بالرضا عند النوم فعليك أن تملأ روحك عزيمة وإصرار في كل صباح تستيقظ فيه!
واحذر أن تضع لنفسك حدودا ؛ فالحدود هي التي تضعها أنت لنفسك!
ذات يوم وزع أحد المدربين حبلا مطاطيا على المتدربين ثم طلب منهم تدوين كل ما يمكن للاستفادة من هذا الحبل , وبعد انتهائهم وجه لهم سؤالا عجيبا: ما هو القاسم المشترك بين جميع الاستخدامات ؟ أظنك عرفت الإجابة , نعم فالحبل المطاطي لن يكون مفيدا دون تمدد! وكذلك البشر!
وتظهر الدراسات أن السكون والدعة عادات مكتسبة وأن البشر يستطيعون تعلم الإيجابية والمبادرة والانضباط بنفس من السهولة التي تعودا فيها على السكون والسلبية!
والإنسان خسائره محدودة إن فشل ولكن الخسارة الكبرى تحدث قبل هذا عندما يخاف من الفشل وما أروع دعاء الحبيب بطلب: ((وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ))؛ أي أنك إذا بلغك الخير وعلِمتَ به أن تعزم عليه وأن تحرص على فعله وأن تفعله لتكون من أهله.
ومضة قلم
الفرق بين ما نفعله وما يمكن فعله من شأنه حل مشاكل العالم!
- غاندي