د. عبدالحق عزوزي
نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية منذ أيام ملتقى فكرياً في غاية الأهمية في موضوع عاصفة الفكر، التزاماً منه بهموم المجتمع العربي، باحثاً عن آفاق التغيير والتطوير، متشبعاً بهموم الإستراتيجية والأمل في المستقبل،
لأن قوى التطور هي الغالبة مادام في الإنسان حب الحياة.. وقد أكد المشاركون في تأييدهم عملية «عاصفة الحزم» و»إعادة الأمل» تأييداً كاملاً، بصفتها نموذجاً للعمل العربي المشترك، يكون منطلقاً لتأسيس إستراتيجية طويلة المدى تتضمّن الحفاظ على المصالح العربية، وتعيد التوازن والاستقرار إلى المنطقة، ومواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بالدول العربية، وتضع الآليات اللازمة لذلك، بما فيها تشكيل القوة العربية المشتركة.
وأعلنت الندوة عن جائزة «محمد بن زايد آل نهيان للبحث العلمي في المجالات الإستراتيجية»، إيماناً بقيمة البحث العلمي والتفكير الإستراتيجي وضرورة تشجيعهما في هذه المرحلة التي تمرّ بها الأمة العربية والإسلامية، ليقوما بدورهما الطبيعي في دعم متخذي القرار وتعزيز الأمن الوطني الشامل للدول العربية وحماية منجزاتها ومصالحها المشتركة، وسيتولى مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الإشراف على الجائزة التي ستبدأ دورتها الأولى عام 2016.
كما أوصت الندوة بضرورة التعاون بين مراكز البحوث والدراسات العربية، وتنمية التعاون البحثي والعلمي، وتعزيزه بين مراكز الدراسات والبحوث العربية، وتبادل الخبرات والكفاءات فيما بينها، وتعزيز قيم الانتماء الوطني وثقافة التسامح والمواطنة والمشاركة الشعبية، وترسيخ مفهوم الدولة الوطنية، إضافة إلى الموافقة على اقتراح وفد مملكة البحرين الشقيقة باستضافة الدورة الثانية لندوة «تحالف عاصفة الفكر» في مركز عيسى الثقافي، خلال شهر مارس 2016م.
كما اتفق المشاركون على أن تكون الكلمة الافتتاحية للدكتور جمال سند السويدي، المدير العام لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في ندوة «تحالف عاصفة الفكر» وثيقة تضمّ إلى البيان الختامي، وتكون منطلقاً لتأسيس محور للعصف الفكري بين مراكز الدراسات والبحوث المشاركة. وأبرز الدكتور جمال بجلاء أن مراكز البحوث والدراسات أصبحت تؤدي دوراً حيوياً وفاعلاً في نهضة الأمم والمجتمعات، خاصة في أوقات الأزمات والتحديات، كما هي الحال الآن في منطقة الخليج العربي وفي منطقة الشرق الأوسط بوجه عام، بل في العالم أجمع، حيث تتنامى مظاهر التطرف والإرهاب، وتتسع يوماً بعد يوم، كما برزت في الآونة الأخيرة مجموعة جديدة من التحديات التنموية والبيئية والإنسانية التي تلقي بظلالها السلبية على دول العالم كافة.
وأكد أنه في ظل هذا الواقع تزداد الحاجة إلى دور فاعل لمراكز البحوث والدراسات، من أجل مواجهة هذه التحديات المختلفة بأسلوب علمي يطرح خيارات واضحة تساعد صانعي القرار على وضع السياسات الناجعة في مواجهتها. فالجميع يعي أهمية تبادل الخبرات والمعارف، وهذا هو الهدف من ندوة «عاصفة الفكر» التي نأمل جميعا بأن تمثل نقلة نوعية في مسيرة العمل البحثي المشترك خليجياً وعربياً. فمبادرة «تحالف عاصفة الفكر» التي أطلقها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، تستهدف تشكيل تحالف يضمّ المراكز البحثية الخليجية والعربية يعمل على دعم متخذي القرار في الدول الخليجية والعربية، بما يخدم الأمن الوطني الشامل لكل دولة والمنطقة العربية كلها.
ولا غرو أن التطورات الأخيرة التي أسفرت عن تقدم داعش بطريقة خيالية في عدة دول كسوريا أو العراق، وما تبع ذلك من ضغوطات سياسية وعسكرية على كيان العديد من الدول ووحدتها الوطنية والإقليمية، وتداعياتها التدميرية المستمرة من دون انقطاع رغم تحالف دولي كبير يتعدى الأربعين دولة لمقاومته، واستنجاد دولة مثل العراق بميلشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران، وتغيير الولايات المتحدة الأمريكية لإستراتيجيتها في المنطقة، وتجسيد سياستها في التعامل مع نظام عربي إسلامي إقليمي جديد مبني على التوازن بين العرب وإيران، كل هذا وذاك أدى إلى تشكل وعي عروبي مشترك مبني على الثقة بالذات وعلى استعمال كافة القوى الذاتية والمشتركة لتحقيق الأهداف المتوخاة لصون مصالحها وأمنها وحدودها، وهو ما جسدته عاصفة الفكر بقيادة السعودية في تحالف عربي - إسلامي هو الأول من نوعه، لتعيد العاصفة الروح إلى الجسد العربي الهزيل والذود عن الحياض العربية، فكانت إيران تظن أن طبولها في اليمن ستعلن سطوتها وتكمل دائرة عدوانها، فلقد سبق لها أن قرعتها في بيروت ثم بغداد ثم دمشق.. وهذا يستلزم منا أيضاً نحن المفكرين، عاصفة فكرية وتحالف فكري لقيادة إستراتيجية فكرية يداوي مرض العقل والواقع العربيين بوصفات استشفائية شيميوترابية لإخراج الأمة من أزماتها.
فعطالة الفكر والعقل العربي أديا إلى تخلف شامل وأعني في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والتربوية، وبدلاً من الاستعانة بالعلم وبقوانينه يستعيض الفكر والمفكرون عن ذلك بخزعبلات فكرية وبأوهام إيديولوجية؛ فالجامعات ومراكز الأبحاث في المجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، بدلاً من أن تكون مختبرات علمية ومؤسسات هي ذروة الفاعلية المعرفية، تصبح مؤسسات بدون فائدة في تطوير المجتمعات العربية، وخلايا تجمعات طلابية وأحزاب تتصارع فيما بينها على كل التفاهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كما أننا نتصارع على عقائد وليس على الحقيقة، فالعقل والتحويل المشروطان في العقل غير متواجدين.
العاصفة الفكرية التي نحن في حاجة إليها اليوم هي التي تكون مدفوعة بروح النقد والعقلانية الراشدة والتنويرية التي تتجاوز الصراعات والأسئلة الخاطئة والفاشلة والتقابلات العميقة وهي التي توازن بين الرؤية الثباتية والرؤية الحركية التي تشخص وتؤثر على الذات في نظرة تجمع بين التحليل والتركيب والنقد والإصلاح والمنهج والرؤية لبناء نظام عقلاني تنويري عربي جديد ونظام معرفي وهاج يبعث الحياة في العقل العربي.. العاصفة الفكرية التي نحتاج إليها هي التي تهذب الذات من رواسب اللاعقلانية وتروض الإنسان العربي على المفاهيم العقلانية ليستنبتها استنباتاً داخلياً لا فقط لغاية إبستمولوجية وتاريخية، وهي التأصيل الثقافي لمفاهيم الحداثة، ولكن أيضاً لغاية خطابية، وهي مواجهة الذين ينقلون نقلا ميكانيكيا فجا، حسب قوله، المفاهيم الغربية إلى الثقافة العربية. فالنقل الميكانيكي للمفاهيم الحداثية إلى اللغة العربية الحديثة يضر بها أكثر مما ينفعها؛ لأنه من جهة، لا يمنحها المشروعية، أي إكساب المفهوم المنقول سلطة ثقافية في الفكر العربي المعاصر؛ ومن جهة ثانية، لا يمنحها القابلية للاستنبات، أي ربطها ربطا عضويا بالثقافة العربية المعاصرة.
الذي نحتاج إليه في وطننا العرب بعد الخراب المدمر الذي نراه اليوم في العديد من الأوطان هو «صنع ما ينبغي أن يكون» على أساس «معرفة صحيحة لما كان» بدفع عجلات الفكر العربي قدماً إلى بر العقلنة وبتر تلك المتعلقة برواسب اللامعقول فيه وتفريغه من بطانية الانفعالية. فإصلاح العقل توطئة لازمة لإصلاح ما أعوج في الأوطان والساسة ونبقى هنا أوفياء لخط الفارابي خلافا لابن رشد، الذي وضع السياسة على رأس العلوم ولكن نضيف إليه العلم لإعادة بناء الوطن العربي في إطار من الوحدة والتوير والعقلانية.
فالعاصفة الفكرية التي نادي بها مركز الإمارات هي قاعدة التغيير الجذري المطلوب وبداية محمودة لانطلاقه. وكل هذا يشمل في حديثنا مع آخرين عن الثورة الثقافية، فهمنا للكون والإنسان وللواقع وللتاريخ. هي ثورة في المنهج تغير كل اتجاهاتنا ومنهجنا التقليدي العقيم، وتبني إستراتيجيات بناءة، إنها أشبه بالثورة الكوبرنيكية التي قلبت كل شيء في ذهن الإنسان دون أن يتغير أي شيء في الكون.