فيصل أكرم
نترك وراءنا كثيراً من القفازات المستعملة، ونمشي باحثين عن يدين تجيدان ارتداء قفازين جديدين لمهام استعملناها كثيراً حتى لم يبق فيها من جديد يليق بقفاز!
نخرج كثيراً في هروب يفضي بنا إلى مفازة فزنا بها مراراً حتى لم يعد في كل ما هربنا منه ما يختلف عنها سوى أنه يهرب إلينا في حالة تشبه الاعتياد الذي نحسبه طارئاً من أجلها، بينما نحن نهرب إليها في كل الحالات التي لم تطرأ ببال!
أنا واقفٌ،
حيثُ اتفقتُ من الظلالِ
وصارَ لي في كل منحدرٍ من الجدران ذكرى
من تجاويف الحياة إلى حياةٍ
ملؤها المجهولْ
ثم أشرعةٌ ممزقةٌ، وميعادٌ تؤجّله الفصولْ!
يأتونَ.. أرحلُ
يرحلونَ.. وسوف آتي
لم تختلف أشياء كثيرة من أول ترحال إلى ما قبل الأخير، ربما، أو هو ما بعد أول ترحال.. وقد يكون أخيراً إذا أدركنا متى كان الأول. وكان الأولى بكل إدراك أن يمنح فرصة للتغاضي؛ للحيرة أن تكشف عن أسرار اليقين.
لم نختبرْ رغباتنا..؟
عفواً مشينا،
ثم في عفوٍ نعودُ،
فكم ستقبلنا المداخلُ
كم ستمنعنا الحدودُ..!
القساة وحدهم، يتدرّبون على كسر الأشياء القاسية. بينما أصحاب القلوب الرقيقة يصابون بالأرق دائماً؛ هل ثمة سمة تفرضُ نفسها على كل مسمى فعلاً؟ قطعاً ولا بدّ، فاسمك هو المكتوب في بطاقة هويتك ويعرفه كل من يطلع عليها، ولكنه بعض سماتك.. بينما اسمك المطبوع سمة على صفاتك يعرفه كلُّ من يطّلع عليك أنت. أنتَ المتصفُ بالقسوة على قلبك حتى كسرته، وبالرقة على قلوب من عرفت حتى امتلأت رطوبة تشبه قبراً يحتويك وأنت حيّ.. يدفنك وأنت تسقي كل نبتة فيه من روحك حتى تنطلق إلى الحياة.
يأتون.. ترحلُ
يرحلونَ.. وسوف تأتي
كم سئمتَ من انتظار السُحْبِ يهملها سوادُ الدربِ
تمطرُ من جفونٍ للعيونِ
ومن عيونٍ للجنونِ..
الماءُ أملحُ من دمائكَ حين تنزفُ من فؤادكَ
- دونَ جدوى –
فالمخابئُ لن يخلّدها الجفافْ
هي مهجةٌ صعدتْ لترقى
فانزل على نفسكْ
واختبرْ ميزانَ حدسكْ
ثم صُغْ وقتاً سيحتملُ الغرابةَ من غريبٍ
كي تكونَ، كما يكونُ، إذا يكونُ
كما يريد الواصلونَ إلى نهاياتِ المطافْ.
ولا تعوّل كثيراً على أثرٍ تتركه على الطرقات دليلاً، قد لا يكون سوى فراغٍ يدلُّ إلى أنّ الشجر اليابس لن يبقى في مكانه طويلاً، فالريح كفيلةٌ بتكسيره واقتلاع كل أثر له من أجل فراغ تعتمره رطوبة ستحتويك ذوباناً حتى تصبح أنت أثراً لفراغ يمتدُّ حواليك.