عروبة المنيف
إن أحداث تعثر وتخبط دول الثورات العربية وما آلت إليه أوضاعها بعد الثورة من خسائر بشرية ومادية، بالإضافة إلى تفشي ظاهرة الإرهاب والمعاناة التي عايشتها تلك الدول وما زالت تعاني منها نتيجة توغل الطائفية فيها، كل ذلك أدى إلى شعورنا بالرعب والخوف والارتياب
إذا ما ورد على مسمعنا أن هناك شرارة ثورية في ذلك البلد العربي أو ذاك، وندعو من الله أن تخمد قبل أن يتم تأجيجها وإشعالها.
منذ بداية «الثورة التونسية» كانت فرحة الشعوب العربية عارمة، حين اعتقدوا أن الفرصة قد حانت للتخلص من الدكتاتوريات والأنظمة الفاسدة المهيمنة على معظم مقدرات العالم العربي، ولكن مع تداعي أحداث تلك الثورات وما جلبته من كوارث لشعوبها جعلتنا نتوجس خوفاً ورعباً من أن تصل العدوى إلى الدول العربية الأخرى وحالنا يقول «ليتنا من حجنا سالمينا»، وكأن الثورة أصبحت وباءً سيقضي على الدولة التي تعاني أصلاً من أمراض مزمنة والتي تشمل أعراضها الفقر والبطالة والفساد والمحسوبية لتشتعل تلك الثورات وتنبش المدفون من الأوساخ المتراكمة على مر السنين.
إلى الآن، فشلت تلك الثورات في تحقيق أهدافها المعلنة في شعاراتها لتأخذ منحى آخر، حيث تم تعزيز ظاهرتي الإرهاب والطائفية في بلدان الثورات، وأصبحنا نطرح على أنفسنا العديد من التساؤلات المتعلقة بأسباب فشل تلك الثورات، وهل أتت تلك الثورات في وقت غير ملائم؟ أم أن الشعب العربي غير واع ومدرك لطبيعة الدول التي يعيش بها ولم يستطع استيعاب المعطيات الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية السائدة، أم أن التحولات الإقليمية والهيمنة السياسية لبعض دول المنطقة كان لها الدور الأكبر في فشل تلك الثورات؟!.
عند اشتعال شرارة المظاهرات في لبنان والتي أخذت شعار «# طلعت ريحتكم» وانطلقت في 22 أغسطس-آب نتيجة «أزمة النفايات»، ارتبنا وبدأنا نتوجس من تداعياتها خوفاً من أن يغرق بلداً عربياً آخر في مستنقع الثورة كحال دول عربية أخرى سبقته .إن أزمة النفايات التي تم إضافتها لأزمات الشعب اللبناني المستعصية على الحل، كأزمة الماء والكهرباء والبطالة والفقر ومأزق الرئاسة الشاغرة والحكومة المعطلة وغيرها، أدى بهم لأن يرفعوا شعار إسقاط النظام !.
لقد أرعبتنا تلك المظاهرات فعلاً خوفاً من تداعياتها فنحن لا نريد سوريا أو ليبيا أو عراقاً أو يمناً آخر.
بعض اللبنانيين يرددون بأنهم لن يخلصوا من الفساد والمفسدين ومن الأزمات المستمرة ومن «الزعماء الخونة» إلا بثورة تأكل معها «الأخضر واليابس»، ولكن بالإمعان في ما جلبته الحرب الأهلية لهم «والتي أكلت الأخضر واليابس فعلاً» يجعلنا نتمنى أن لا يكون هناك أي تداعيات غير سلمية لأي تحركات شعبية، فالحرب الأهلية لم تجلب للبنان سوى التوغل الطائفي في نسيجها والفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في جميع أركانها وعودة زعماء ومجرمي الحرب إلى مفاصلها الأساسية التي نخروا فيها إلى أن «فاحت رائحتها».
الإشكالية، هي في عدم وجود ثقافة حرية الرأي وثقافة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في العالم العربي، تلك مفردات يسمعها العربي ولا يعايشها، فلا يستوعبها ويدرك مغزاها لأنه لم يمارسها على الدوام، فعندما قامت الثورة لم يكن هناك مؤسسات مجتمع مدني قادرة على إنقاذها وإيصالها إلى بر الأمان، بل وجدت تلك الدول نفسها في فراغ سياسي أدى إلى توغل الإرهاب والطائفية في جنباتها ما أدى إلى ذلك الفشل الذريع لتلك الثورات، لذلك هي ثورات لا تليق بالعالم العربي، فضرورة ترميم البيوت من الداخل وتحصينها بالديمقراطية وحقوق الإنسان أولاً حتى نستطيع وبثقة الخروج من عنق الزجاجة والانعتاق من أزماتها الأزلية وبتكاليف أقل.