أحمد محمد الطويان
السينما حرام... السينما خطأ... السينما جريمة.... لا بأس كل هذه الكراهية غير المبررة للسينما، لا يجب أن يصرفنا عن فن راقٍ من فنون الإعلام والصورة وهو «الأفلام الوثائقية».. في السعودية شوهنا الفيلم الوثائقي وبخسناه حقه، واختصرته إدارات العلاقات العامة في الأجهزة الحكومية بمقاطع رديئة تمجد للمدير والوزير والمسؤول وتمجد في القطاع الحكومي وتسرد إنجازاته بأسلوب ممل،
وأصبحت هذه المقاطع مصدر رزق أصحاب دكاكين الإنتاج، ومعظمهم من الأجانب وقلة بسيطة من السعوديين يظلمهم ضعف السوق ويقتل مواهبهم.
الفيلم الوثائقي أو التسجيلي يعتبر كتاباً مرئياً، أوراقه مشاهد تسرد حقائق أو أحداثاً سياسية أو تاريخية أو اجتماعية، وهي من مصادر المعرفة المهمة، والذي شهد تطوراً كبيراً في العالم، وبات صناعة لها رواج كبير، وبقينا خارج السباق للأسف ولم نلتفت لمواهب سعودية مبدعة ومتميزة في هذا المجال الذي يعتمد أرفع معايير الحرفية في الكتابة والإنتاج والتصوير، فالوثائقي الجيد يحكمه الالتزام بالحياد والمصداقية، وتقديم المميز والمختلف والذي يضيف للمشاهد، وفي إنتاج الوثائقيات مدارس إنتاجية مختلفة قسمها الأكاديميون المختصون وأسهبوا في شرحها، فهي فن عريق عرف منذ أن ظهرت السينما.. ومن يقرأ في تاريخ الوثائقيات يكتشف إبداع المخرج الروسي ديزيجا فيرتوف بإنتاجه جريدة سينمائية أسماها (كينو برافدا) أي «برافدا السينمائية» في إشارة لصحيفة برافدا واسعة الانتشار في حينها، تناولت بالصورة السينمائية التسجيلية التغيّرات السياسية والاجتماعية وأثرها على المجتمع السوفيتي بين عامي 1922 و1924 وكانت كينو برافدا المعادل السينمائي لصحيفة برافدا بمعلوماتها وموادها الإخبارية وقصصها الصحفية، وهو ما يصنّف تحت بند سينما الحقيقة.
المحاولات العربية في إنتاج الوثائقيات ضعيف، وفهم هذه الصناعة ما زال قاصراً، والدعم الحكومي شبه معدوم، والمجال واسع رغم كل التضييق الذي يمارسه من يجهلون معنى الفيلم الوثائقي، ومن يقتلون طموح الشبان المبدعين والراغبين في تقديم أنفسهم في عالم صناعة الفيلم الوثائقي أو التسجيلي، ومن هنا أقترح دعم هذه الصناعة وإطلاق قنوات متخصصة حكومية وخاصة تهتم بالفيلم الوثائقي، وتأهيل المختصين والمهتمين والموهوبين في فنيات الإنتاج والكتابة، لنخلق حالة إبداع، تثري نشر المعرفة والحركة الثقافية التي بدأت الدماء تسري في عروقها بعد سنوات الجفاف.
بلدنا فيه كل الطاقات المتميزة والراغبة بالتميز ولكنها تنتظر الفرصة، وانقضت سنوات طويلة ولم تطل فرصة واحدة سانحة، ولكن كلي تفاؤل بقرب انفكاك الحلم من عقال المخاوف والتثاقل.. الإبداع عالم واسع وبحر لا شاطئ له.