د. حمزة السالم
احتكار الأراضي كلمة متداولة يُوصف بها حال الأراضي وليس سوقها. فسوق الأراضي عندنا وعند غيرنا سوق تنافسية بلا نزاع. فالسوق المُحتَكرة ثلاثة أشكال لا ينطبق أي شكل منها على سوقنا. فيجب عند التأمل أن يُميز بين الدلالة اللغوية لكلمة الاحتكار ذات المعنى العام، وبين الدلالة الاقتصادية المخصوصة بالسوق. فالأراضي عندنا مُحتكرة ولكن سوقها تنافسي. فهي سوق تنافسية، لأن ملاك الأراضي كثيرون، وهي محتكرة لأن الفتوى والأنظمة وندرة فرص السوق الاستثمارية المحلية، جعلت منها سلعة احتكارية بامتياز. فالأراضي عندنا تتمتع بصفات استثمارية تضاهيها أي سلعة في العالم (إلا بنوكنا التي لا تدفع حتى كلفة شراء سلعتها).
فالأراضي عندنا عديمة كلفة الحفظ، ولا يحتاج استثمارها لخبرات ولا إدارة ولا عقول، وخاصة عندنا نظراً لكوننا مجتمعاً ناشئاً بسيطاً في تقسيمه الإسكاني. وهي بتخزينها، ثروة مضمونة تضخم قيمتها، على الإطلاق. وذلك لأن المجتمع ينمو، وهي ثابتة الكمية.
ولكون الأراضي مُحتكرة عندنا، فدراسة سوق الأراضي تختلف عن النماذج التقليدية. فالأصل في سوق الأراضي أن العرض كميته ثابتة لا تتغير بتغير الأسعار. فالذي يتحكم بالأسعار هو الطلب. فالطلب يزيد وينقص فيرفع الأسعار أو ينقصها. ولكن هذه ليست سوقنا.
فترجمة عبارة «الأراضي محتكرة» إلى اللغة الاقتصادية، يعني أن ندرس سلعة محتكرة في سوق تنافسي. فبهذا نفهم أن العرض عندنا وإن كان ثابت الكمية -لأن كمية الأراضي ثابتة- إلا أنها بسبب عدم كلفة التخزين، وضمان تضخم القيمة بالزمن وأفضليتها بين بدائل الفرص الاستثمارية، تجعل كمية الأراضي التي تُعرض في السوق تزيد بزيادة الأسعار وتنقص بنقصها. وهذا مطب آخر قد لا ينتبه له كثير من الاقتصاديين عند تحليل أثر الضريبة على أسعار الأراضي.
فالضريبة تُدرس اقتصادياً بأنها تُخفض من الإنتاج، إي تقلل العرض. ولكن هذا لا ينطبق على الأراضي لأنها لا تُنتج فهي لا تزيد ولا تنقص، (وتطوير الأراضي لا يفسد هذا المعنى، فهو سوق أخرى).
لذا فالضريبة على العرض في سوق الأراضي تؤثر على مرونة العرض. فالعرض الآن مرن ضد نزول الأسعار. فالملاك لديهم دافع وصبر كبير على عدم البيع إذا نقصت الأسعار. ولكن متى فُرضت الضرائب السنوية، فسيتناقص مع الأيام، صبر المُلاك على تحمل كلفة عدم عرض أراضيهم في السوق، حتى ينفد الصبر فتنعدم المرونة فتصبح الأراضي كلها معروضة. فهنا الذي يحدد السعر هو الطلب.
فالخلاصة أن الطلب على الأراضي مرتبط بالقوة الشرائية للمجتمع. والعرض مرتبط بمدى تحمل الملاك بعدم عرض أراضيهم في السوق. والتحمل مرتبط بكلفة عدم العرض ومنها توفر الفرصة الاستثمارية البديلة (كأثر طفرة الأسهم على الأراضي).
فعلى هذا، فالوضع المستقبلي لا يخرج عن سناريوهين اثنين:
الأول: في حال فرض الضرائب مع تقشف حكومي. فهذا سيؤدي لنزول شديد في الأسعار. فالضرائب ستُدخل الأراضي كلها في العرض. والتقشف سيُنقص من القوة الشرائية للمجتمع، والسعر في حال فرض الضرائب يحدده الطلب.
الثاني: في حال عدم فرض الضرائب، مع التقشف الحكومي: فهذا قد يؤدي لزيادة الأسعار. فالسعر هنا يحدده العرض، وملاك الأراضي ستزداد عندهم دوافع الاحتفاظ بأراضيهم مع تناقص بدائل الفرصة الاستثمارية وعدم كلفة حفظ الأرض. وبما أن كمية الأراضي لا تزيد وبالتالي العرض لا يزيد، بينما الطلب يزداد عاماً بعد عام، فبالتالي ستزيد الأسعار سنة بعد سنة.
وأما احتماليات انهيار السوق فهي تزيد كلما تأخرت الضرائب، وذلك لأسباب ثلاثة:
الأول: ما بين التوقعات وما بين عدم وقوعها، سيظل السوق في حالة شك وعدم استقرار. وهي حالة تبني أساسيات الهلع السوقي، الذي سينطلق عند أول بداية تسييل للأراضي.
الثاني: الاعتقاد الخاطئ المنتشر في ثقافتنا بأن العقار ملاذ آمن، يجعل الناس تتأخر عن الاستجابة لإرهاصات انخفاض الأسعار الأولى.
الثالث: إن السوق قد أصبحت له مناعة، بعد تصريحات الوزير السابق وعبارته المشهورة «ابن أو بع». فقد فعلت تلك التصريحات فعلها على السوق حينها،ثم ما لبثت أن أصبحت كجرعة اللقاح المناعي.
فحالة عدم التأكد مع الاعتقاد بأن العقار ملاذ آمن مع المناعة، ستمنع ردة فعل السوق الفورية لأي تطبيقات ضريبية، إلى أن يتأكد الناس من جديتها وشموليتها ويستوعب الناس مدى كلفتها، فيكون الانهيار عنيفاً.
ولكي لا يُفهم عني خطأ، فإن هذا لا يعني الليونة في تطبيق الضرائب ولا تخفيفها، كما أنه لا يعني المبالغة فيها. فالليونة في التطبيق أو انخفاض الضريبة، سيعمل كجرعة تنشيطية لدعم اللقاح المناعي الأول «ابن و لا بع». وارتفاع الضريبة كذلك، كما كان مقترحاً -حسب ما يُشاع-، يعمل نفس عمل ليونة التطبيق أو قلة الضريبة. فالجميع سيعتمد على عدم استطاعة التطبيق، وبالتالي حتمية التمديد والاستثناءات والتغييرات، ثم موت النظام في آخر الطريق.
وعموماً فإن جامع هذا كله في شفافية المسؤول بالمعلومات ونزوله بنفسه للشارع وقيامه بالإعلام التعليمي المعرفي، فالشارع لا يعتمد ولا يثق إلا بالوزير مُخبراً ومعلماً.