يوسف المحيميد
تذكَّر أنه أحياناً عدم الحصول على ما تريد هو سكتة دماغية رائعة من الحظ. هكذا تقدم وعيها ورؤيتها للحياة الطالبة السعودية المبتعثة زهور عسيري، التي أشغلت السعوديين هذا الأسبوع، ليس لأنها ارتكبت خطأ ما، ولكن لأنها قدمت درساً رائعاً في الإنسانية والشعور بعذابات الآخرين، فانقسم المجتمع إلى أغلبية تؤيد عملها الإنساني النبيل، وأقلية تناقش مظهرها -كالعادة- وتعتبر كشفها لوجهها عملاً مخالفاً، وكذلك من يرى أنها فعلت ما فعلت كي تبحث عن الشهرة والمجد!
زهور، طالبة الطب في المجر، قامت مع مجموعة متطوعين في بودابست باستقبال اللاجئين السوريين، ومساعدتهم في السفر إلى ألمانيا، وقد كتبت عنها صحف غربية، رغم أنها لا تسوّق لنفسها، حتى حسابها في تويتر تستخدمه في توجيه زملائها من المتطوعين والمتطوعات، ولا يمكن أن تنشر صوراً لنفسها وهي تقوم بهذا العمل الإنساني، أو أن تصوّر -كما يفعل المشاهير- من أطفال اللاجئين أو في مخيماتهم، بل حتى الصورة الوحيدة التي تداولها المغردون في تويتر، لها حكاية طريفة، وسبب معقول، كما ترويها زهور في حسابها، وهي أن إحدى اللاجئات السوريات، خشيت أن تكون زهور تخدعهم في الترحيل إلى ألمانيا، وصورتها من باب الاحتفاظ بصورتها، وربما إدانتها، لو كانت تغرر باللاجئين وتخدعهم، ولا أجمل من ضحكة أطلقتها زهور تجاه ذلك، اصطادتها الكاميرا، وتداولها المغردون بشكل كبير.
الأمر الآخر الذي يكشف شخصية زهور عسيري وجديتها وصدقها، أنها في معرض ردها على الآخرين بتويتر، تقول إنه يعمل معها بمحطة القطارات الدولية مجموعة كبيرة من الطلاب السعوديين والعرب، بعضهم على الحدود، وبعضهم الآخر بين المخيمات، فالشكر لله أولا، ولهم ثانياً، وتضيف «وما أنا إلا فرد ضمن جماعة»، ونحن نجيب، بارك الله فيك وفي جهودك ومن معك من المتطوعات والمتطوعين النبلاء.
ولأنها تعمل بجد ونبل وإخلاص، وبمنتهى الإنسانية، فهي لم تجرِ أي حوار مع وسيلة إعلامية، وما حدث من كتابة تقارير عنها، كان من واقع الحدث، ومن عملها الدؤوب في محطة القطارات، وما تبثه زهور من عطر يملأ المكان، ولعل الأجمل أيضاً أنها تدرك بوعي، أن عملها ومن معها من المتطوعين هو عمل نظامي، حتى أن الشرطة الهنغارية تشكرهم على جهودهم في التنسيق والترجمة لهؤلاء اللاجئين، فما تعمله من تنظيم هو من دافع إحساسها الإنساني بحماية هؤلاء اللاجئين من المخالفات القانونية والعقوبات التي قد يتعرضون لها في حال بقائهم في المجر، من سجن وخلافه، بينما يمكن استقبالهم في ألمانيا بشكل نظامي ضمن آلية معينة لاستقبال اللاجئين السوريين.
زهور فعلا باقة برائحة زكية في بودابست، وهي صورة مشرقة ورائعة للفتاة السعودية، التي يحق لنا أن نفخر بها، ولا شك أن هناك كثيرا من الزهور السعوديات، اللواتي يبذلن بسخاء وإنسانية وصمت دون أن نعرف أو نسمع عنهن!