د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
قبل عدة أعوام مات إفريقي في مكان احتجازه في مطار هيثرو، وقُتل آخر في صراع مع البوليس وأثار ذلك ضجة كبيرة لأن بريطانيا بررت موتهما بسياسة التشدد في سياسات الهجرة. وتم قبلها في ألمانيا قرب مدينة لايبزش حرق أماكن لجوء خصصت للاجئين من دول عدة في أماكن معزولة بعيدة عن الحماية أو الحراسة...
... وهذه مجرد أمثلة محدودة فأخبار التعدي على المهاجرين أو من يظنهم بعض العنصريين لاجئين يعد وجبة يومية للإعلام الغربي. بل انه تم قتل عدد من الطلاب العرب ومنهم سعوديون بسبب اعتقاد أنهم لاجئون. ودأبت الحكومات الغربية على تبرير تصاعد العنصرية في مجتمعاتها بتصاعد أعداد المهاجرين.
وجميع حكومات الغرب بما فيه أوروبا تبنت سياسة متشددة ضد ما سموه المهاجرين غير الشرعيين، وتم تسييس هذه القضية لتتحول إلى قضية رأي عام وأقحموها في السياسات الانتخابية بامتياز. ومهما اختلفت التسميات لهذه الظاهرة فهي تعني محاولة دخول أبناء الجنوب لدول الشمال التي سيطرت على ثرواتهم وأفقرت بلادهم. وموضوع الهجرة غير الشرعية هو الموال الطويل للأحزاب اليمينية في أوروبا التي تعزف على وتره أيضاً أحزاب اليمين واليمين الوسط باستثناء بعض التنظيمات الليبرالية واليسارية الهامشية. وللمعلومية فوصف مهاجر غير شرعي لا يطلق على أي وافد لأوروبا أو أي مقيم فيها، فهو لا يطلق على جنسيات بيضاء مثل استراليا وأمريكا وكندا وكرواتيا وغيرها بل يختص به الوافدون غير البيض فقط أي ما يطلق عليهم احتقاراً «ملونين» وعلى وجه الخصوص إذا ما كانوا غير مسيحيين، وهو لا يطلق على الوافد حديثاً فقط بل على من حارب جده الحربين العالميتين مع بلده الأوربي شريطة أن يكون لون بشرته مختلفا.
غريب كيف حدثت صحوة مفاجئة في الضمير الأوربي ليهللوا للهجرة بدلاً من أن يطالبوا بمنعها ومكافحتها! وتنشر وسائل الإعلام الغربية أن ضمير أوروبا الإِنساني استفاق بمشاهدة صورة الطفل الذي ألقته الأمواج على الشاطئ، وأن ذلك أثر في عاطفة بعض الزعماء الأوروبيين خصوصاً إنجيلا ميركل وذكرها بواجبها الأخلاقي تجاه اللجوء الإِنساني. وبالطبع لا يلام زعماء أوروبا لعدم تعاطفهم مع عشرات آلاف الأطفال الذين مزقتهم براميل بشار لأن جثثهم كانت بين الأنقاض ولم تصل للشواطئ الأوروبيَّة الوادعة. إثر ذلك طفق الإعلام الأوربي بشكل مفاجئ يبجل اللجوء وضرورة التعاطف مع اللجوء، وبدأت معركة في التنافس حول ضرورة استيعاب اللاجئين بمشاركة مشبوهة من شخصيات سياسية عبر وسائل الإعلام التي كانت هي المحرض الأول عادة ضد المقيمين غير الشرعيين «الملونين»، وتم ذلك بسكوت غريب من الأحزاب اليمينية المناهضة للهجرة.
ومن أجل إعطاء نظرية المؤامرة حقها من الاحترام لا يستطيع المراقب عن كثب أن يتجنب اشتمام هدف خفي ما، وربما يكون ذلك هو حصة أوروبا في المساهمة في حل الأزمة السورية لا بالخلاص من بشار الأسد بل بالخلاص من سوريا.
الغريب في الموضوع أن مناظر اللاجئين على الشاشات التلفزيونية الغربية والعربية دفعت ببعض العرب المشبوهين للقفز لانتقاد الدول العربية لعدم استقبالها اللاجئين وكأن هؤلاء اللاجئين يرغبون في الذهاب لدول عربية، ولسان حالهم يقول انظروا كيف يستقبلهم الغرب وأنتم تغلقون الحدود أمامهم! والأغرب أنهم تجاوزوا الدول العربية المحيطة بسوريا مباشرة والتي لها حدود مشتركة معها واتهموا دول الخليج بذلك، وخصوا المملكة العربية السعودية بنصيب الأسد من تهمهم واتهموها بأنها أقفلت الباب أمام اللاجئين! أمام لاجئين لم يطلبوا اللجوء! وهم يدركون أن القاصي والداني بمن فيهم أوروبيون يتمنون أن يجدوا فرصة للدخول للمملكة لأي سبب، ولو فتحت المملكة حدودها لربما لجأ الجميع للسعودية. ورغم ذلك وللإجابة على هذه التهم نقول نعم المملكة العربية السعودية لا تستقبل اللاجئين، ولا يوجد بها لاجئون فمصطلح «لاجئين» لا مكان له في قاموسها لأنّها لا تعامل البشر كلاجئين، ولا تقيم معسكرات وأبنية خاصة لأي فئة من الناس وتعدهم لاجئين، فالمملكة تستقبل كل من يفدون لها كضيوف ووافدين وتعاملهم معاملة السعوديين وتكفل لهم الحرية في العلم والعمل وتقديم الخدمات الصحية. ويكفي أننا، حسب الإحصائيات الاقتصادية العالمية، الدولة الثانية بعد أمريكا، بلد الهجرة الأولى في العالم، في تحويلات أموال العمالة الوافدة للخارج، أي أننا في مرتبة قبل أوروبا كلها وقبل الصين وألمانيا واليابان، فمن أين أتت تحويلات الوافدين هذه ألم يكن هناك وافدون؟ ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يعيش فيه ويعمل عدد يعادل عدد سكانه. فلدينا أكثر من 12 مليون وافد أصبحوا 13 مليون ونصف بوفود الإخوة السوريين الهاربين من بطش الأسد، ويعيش الوافدون بيننا على الرحب والسعة، يستفيدون من كافة الدعوم التي تقدم للمواطن من تعليم مجاني وصحي ودعم للوقود والمواد الغذائية والكهرباء والماء وغيرها. بل إن الوافد يحصل إجباراً على تأمين صحي يعالج فيه في أفضل المستشفيات الخاصة، بينما المواطنون يتكدسون في غرف الانتظار في المستشفيات الحكومية. ولذا فنحن نقول نعم ليس لدينا لاجئين لأننا لا نعامل الوافدين كلاجئين ولا نكدسهم في محطات القطارات لنصورهم ونستغلهم إعلاميا.
وفيما يتعلق بالأزمة السورية بالذات كانت المملكة تدعم سوريا وغيرها من الدول العربية والإسلامية في سنوات السلم قبل سنوات الحرب، حتى إن إخوتنا في بعض الدول العربية والإسلامية أصبحوا يهتمون بأسعار النفط أكثر منا نحن السعوديين. والسعودية تقوم بذلك إحساساً منها بواجبها الديني والقومي والأخلاقي تجاه الأمتين العربية والإسلامية، ولذا لا تبرزه إعلاميا ولا تمتن به. ولكن للأسف فما ساعدت المملكة على بنائه في الأمس هدمته إيران وعملاؤها اليوم. وكثير مما دمره الأسد في حربه على شعبه بمساعدة إيران بني بأموال وافدين سوريين عملوا طيلة حياتهم في السعودية.
وبعيد الحرب مباشرة، ورداً على فظائع الأسد، وقبل أن يستفيق الضمير الأوربي أصدر الملك عبد الله - رحمه الله - قرارين أحدهما ينص على تسهيل استقدام السوريين في المملكة لأسرهم الهاربة من الحرب، والآخر يوجه بقبول جميع أبناء الجالية السورية القديمة والوافدة حديثا في المدارس والجامعات السعودية فوراً، بل فهم بعض المسؤولين في مجالات التعليم القرار لقوته وتأكيده على سرعة التنفيذ على أنه يمنح أولوية لهم في المدارس على السعوديين. إثر ذلك تضاعف عدد الأخوة السوريين في المملكة من أكثر من مليون إلى مليونين ونصف. والسعودية استقبلت السوريين بكافة فئاتهم وطوائفهم بمن فيهم الشيعة والعلويون واليزيدون والمسيحيون. وبالطبع فأنت تستطيع أن تشاهد السوريين في المملكة في كل مكان، في المدارس والمستشفيات وأماكن العمل والتسوق والشوارع ولكنك لن تجد لهم مخيمات لاجئين تصورهم فيها. بل إن السعودية منحت الأسر السورية مثلها مثل أي أسرة سعودة حق استقدام العمالة المنزلية والسائقين، فالرفاهية متاحة لهم مثلما هي متاحة للسعوديين.
والسعودية بطبيعة الحال تقدم مساعدات كبيرة للدول المجاورة لسوريا التي تستقبل اللاجئين، وتقدم لهم مساعدات مخصصة للمساعدة على استيعاب اللاجئين، وقد بنت المساكن والعيادات لإيوائهم في هذه الدول. ولكن السعودية تحترم سيادة الدول التي تؤوي اللاجئين على الرغم من المعلومات التي تردها عن سوء التصرف بهذه الإعانات، حتى إن بعض القوى المحسوبة على إيران في دولة عربية كانت تغير الكراتين التي تغلف المساعدات السعودية وتستبدلها بأخرى كتب عليها أنها منحت من إيران، ورغم ذلك استمرت المملكة في إرسال المساعدات فالمهم بالنسبة لها هو وصولها لمحتاجيها.
ونرد بكل قوة ووضوح على كل ناعق استغل أزمة اللاجئين لاتهام المملكة بالتقصير في إيواء اللاجئين بالقول نعم لا يوجد لدينا لاجئون لأننا لا ننظر لإخوتنا العرب والمسلمين كلاجئين وإنما نعدهم ضيوفاً وافدين مقيمين، وأنت لن تستطيع أن تميزهم عن أهل البلاد. أما من كانت تستهويه السويد وبلجيكا وألمانيا فهذا شأنه، والسعودية لم تمنع أي دولة مجاورة من استضافتهم، ولا تستطيع أن تفرض عليها أن تستضيفهم ولكن قد يستغرب البعض لو قيل له إنه حتى ولو استقبلتهم هذه الدول، بما فيها الدول الأوربية، فسيستنجدون في نهاية المطاف بمساعدة أقاربهم أو من يعولهم أو ومن يعرفونه في دول الخليج. وفرحة ساعة قد يتبعها للأسف حسرة سنة، وسنرى ما سيحل بهؤلاء اللاجئين الذين يتساقطون على الحدود الغربية في المستقبل بعد أن يستنفدوا قيمتهم الدعائية والسياسية، وإن غداً لناظره قريب.