فهد عبدالله العجلان
انهيار الرافعة الإنشائية في الحرم المكي يمثل حدثاً مأساوياً لافتاً بكل المقاييس، لكن حجم المأساة بجب ألا يحجب أعيننا عن حجم الجهود المخلصة التي بُذلتْ من قبل المملكة لاحتواء الحادثة، ابتداءً بمباشرة الموقع وإنقاذ المصابين، ثم التحقيق الدقيق في أسبابها، وليس انتهاءً بسرعة الحسم ومعالجة الآثار الإنسانية للحادثة لاحقاً وفق بيان الديوان الملكي، فما أراده الملك سلمان هو أن لا تكون الحادثة منبتة عن سياق يسعى إلى ترسيخه والبناء عليه في مملكة المستقبل، وهو الشفافية والمساءلة والمحاسبة والسرعة والحسم الذي تجلى في قرارات المليك بعد انتهاء عمل لجنة التحقيق في حادثة سوق الرافعة، فالمعالجة تتضمن الرحمة التي تخفف على ذوي الشهداء والمصابين وذويهم، كما تتضمن الحزم في محاسبة المتسببين. وضمانة أن لا تتكرر مثل هذه الحوادث مرة أخرى - بإذن الله.
بعض الوالغين في صفاء بحيرة جهود المملكة العربية السعودية في خدمة الحج والحجيج استغلوا تلك الحادثة العرضية لتحقيق أجندات ضيقة خاصة، لم تصمد أمام الوعي الأممي الإسلامي لما يُقَدَّم تحت الشمس من جهود جبارة يسجلها ويتعاقبها التاريخ.. هؤلاء الناعقون يتجاهلون حقيقة أن المملكة تتعاطى مع الحج وخدمة الحجاج كجزء من واجب ديني تعبدي، تفرضه عقيدة هذه البلاد وقادتها وأهلها؛ لتتجاوز كل المعايير الاقتصادية التي تحسب لها الدول في إنفاقها كل حساب، بل إن المملكة كانت - وما زالت - ترفض أن يكون المعيار الاقتصادي مرجعاً لما تقدمه من واجب ديني للأمة الإسلامية في كل زمان؛ إذ يرفض المسؤولون في المملكة من خادم الحرمين الشريفين إلى أصغر مسؤول تنفيذي في هذه البلاد اعتبار ما تقدمه المملكة جزءاً من قطاع السياحة الدينية التي تستثمر فيه بعض الدول التي لا تملك عشر ما تملكه المملكة من مقومات، وتحسب عوائده بالقنطرة والقنطار؛ لذا كانت دائماً وأبداً ميزانية توسعات الحرمين الشريفين وخدمة الحجاج في المملكة مفتوحة على مصراعيها دون حساب للتكلفة والعائد، وهو تكليف وشرف تتعاقب على حمله القيادة والشعب السعودي دون تفريط أو مِنَّة!
***
* حين يُنشر هذا المقال سيكون منتصف شهر سبتمبر الموسوم قد مضى، الذي يُتداوَل أنه سيشهد انهياراً كارثياً ومدمراً للأسواق العالمية، ويروّج لذلك بكتاب الكاتب اليهودي الذي رصد دورة الأسواق المالية، وتحديد الانهيارات في موعد ما يسمى بشيمته!!!.. هذا الاتجاه المتشائم لما سيشهده العالم أجمع في مظاهر كثيرة، منها الأسواق العالمية، غزا العالم أجمع، بما فيه أسواق المنطقة.. شخصياً، لا أعتقد أن من يملك معلومة بهذا الحجم يمكن أن يقدمها للعموم بهذا الشكل ومجاناً.. سبق أن كتبتُ وقلتُ إن من يقدم النصيحة في أسواق المال مجاناً للعموم وبهذه الطريقة فهو مستأجر!!! وأعتقد أن من يروج لذلك يستهدف هلعاً شاملاً، يصيب الأسواق، سيستفيد منه من يروج لمثل هذه الأطروحات، ويأخذ ما في أيدي الناس (بتراب الفلوس) كما نقول، وخصوصاً أن الاستجابات العاطفية في أسواق المال للأفراد مؤثرة جداً.. وقد يكون يوم الثلاثاء الموعود شيمته أفضل موعد للشراء، وعكس ما يروج له!
***
* حين بدأت الثورة السورية، وأوغل النظام السوري في دماء شعبه بما يتجاوز كل الأعراف الأخلاقية والإنسانية، كانت أصوات العقلاء في الشرق والغرب تتحدث عن ضرورة إنهاء المجازر، وإيقاف شلالات الدم تجنباً لفيض من طوفان الكوارث التي قد تغرق بها البلاد. كان مصدر الخوف والحذر معرفة المنذرين بسلوك هذا النظام الذي يؤمن باصطناع الكوارث لمواجهة الكارثة! وقد فعل!
* تهيئة البيئة لداعش لتكون بديلاً عن المعارضة السورية المعتدلة كان أولى الكوارث التي يجني العالم ويلاتها، وليس انتهاء بأزمة اللاجئين التي تحولت إلى ورقة ضغط دولية، يسعى الأسد وداعموه إلى تقديم جراحاتها للعالم؛ لتكون بوابة ضغط لفرض صيغة حل سياسي يحتفظ بها الجزار بكرسيه في الوطن الذي حوَّله إلى مسلخ!
* أزمة اللاجئين السوريين التي تفاقمت بسبب إهمال المجتمع الدولي لواجباته في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة تحولت إلى كرة نار، تتقاذف مسؤوليتها أطراف عدة. صحيفة التايمز البريطانية وصفتها بأنها الأزمة التي وضعت أوروبا في قفص الاتهام! وفي خضم الجدل الحامي حول مسؤولية الدول المجاورة ودول العالم أجمع تجاه اللاجئين السوريين ظهرت أصوات حملت ذات البصمة التي تهاجم المملكة دائماً، وتزيف الحقائق حول مواقفها زاعمة أن المملكة العربية السعودية لم تقدم ما يجب تجاه اللاجئين السوريين واحتواء أزمة بلادهم. حينها لم يكن من بد أن توضح المملكة موقفها بأن أراضيها استقبلت 2.5 مليون مواطن سوري، ينتمون لكل الأديان والمذاهب، لا تسميهم لاجئين بل إخوة ومواطنين سوريين، يمتلكون فرص عمل ومقاعد دراسية وطبابة بمستوى إنساني لائق، إضافة للدعم الذي تقدمه المملكة للاجئين السوريين في دول الجوار. هذا العدد الكبير الذي تستضيفه المملكة يمثل تقريباً 10 % من مجمل الشعب السوري الشقيق، في الوقت الذي يغلق فيه رئيس وزراء إحدى الدول الأوروبية حدود بلاده كاملة محذراً من أن دخول اللاجئين بهذا العدد سيتسبب في نهاية أوروبا ذاتها. وتشترط دولة أوروبية أخرى في المقابل أن تستضيف 200 لاجئ سوري فقط ممن يعتنق الديانة المسيحية!!