د. أحمد الفراج
قبل أن أشرع في هذا المقال، لا بد أن أؤكد بأنّ نقد النظام السياسي الأمريكي لا يعني موقفاً سلبياً منه، فنقد جوانب القصور في الأنظمة الديمقراطية لا يعني موقفاً من الديمقراطية ذاتها، كما أؤكد بأنني كنت ولا أزال أجد متعة كبيرة في متابعة الحراك السياسي للإمبراطورية الأمريكية، وربما أنّ جزءاً من المتعة يتعلق بحقيقة أنّ هذا الحراك يشبه العرض المسرحي الكبير في كثير من الوجوه، حيث المفاجأة والتشويق، ويضاعف من المتعة تخصص نجوم الكوميديا الأمريكيين بمتابعة كل كبيرة وصغيرة والتعليق عليها، ولا يمكن لأي متابع إلا أن يتحسر على رحيل الرئيس جورج بوش الابن، والذي كان مادة لا تنضب للإعلام الساخر، حيث جهله السياسي، وجهله بجغرافية العالم، وعدم اكتراثه بأحد، وأهم من كل ذلك أخطاؤه اللغوية المتكررة، وجدير بالذكر أنه قال يوماً لخريجي إحدى الجامعات الأمريكية: «عزيزي الخريج: لا تقلق إذا كان معدلك التراكمي ضعيفاً، فلن يمنعك ذلك من أن تكون رئيساً للولايات المتحدة مثلي!!»، في إشارة إلى تعثره الدراسي، وتخرجه بالكاد من الجامعة بمعدل رديء!!، وللعلم فإنّ جورج بوش الابن لم يُقبل في جامعة ييل العريقة إلا بوساطة من والده، وهذه معلومة وليست رأياً، وما المشكلة إذا كانت الواسطة تجد طريقها حتى في أمريكا!!.
هذه الأيام، يتصدر المشهد السياسي الأمريكي المرشح الجمهوري الثري جداً، دونالد ترمب، والذي يتقدم المرشحين الجمهوريين في استطلاعات الرأي، وبنسبة كبيرة!!، وترمب عنصري حتى النخاع، وقمئ، ولا يتمتع بالحد الأدنى من الدبلوماسية، وقد سجل التاريخ حماقته، وذلك عندما تحدى الرئيس باراك أوباما بأن يثبت أنه مولود في أمريكا!!، وكانت تلك سقطة أخلاقية رهيبة، ولكن أين ترمب من الأخلاق، وهو الذي سخر من رجلي الأعمال الكبيرين، بيل قيتس ووارين بافيت، وذلك عندما طلبا من رجال الأعمال أن يحذو حذوهما في التبرع بجزء من ثرواتهم للأعمال الخيرية والإنسانية، إذ لم يكتف ترمب بالرفض، بل سخر منهم!!، وهذا السلوك يمثل شخصيته الأنانية المتغطرسة، والعنصرية، إذ لا يستقيم أن يتبرع لسكان أفريقيا، على سبيل المثال، وهو الذي يحتقر أي إنسان لا يشبهه، ولم يسلم منه حتى الرئيس الأمريكي، المثقف والأستاذ الجامعي، باراك أوباما، فقط لأنه من خلفية غير أوروبية!.
هل يعقل أن يتقدم المرشحين لرئاسة أمريكا شخصية بمواصفات ترومب، وهل هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي انتخبت فطاحلة الساسة، مثل الرئيس التاريخي ابراهام لينكولن، والرئيس فرانكلين روزفلت، والرئيس جون كينيدي؟!، وهؤلاء هم الشخصيات التاريخية البارزة، والتي صنعت فارقاً في التاريخ البشري، وليس في أمريكا وحسب، وهل، يا ترى، تغيرت تركيبة الولايات المتحدة السكانية مؤخراً، لتنطبق عليهم مقولة: «حيثما تكونوا يولى عليكم»؟، ولعلنا نحاول أن نتعمق في هذه الأسئلة مستقبلاً، ولكن لا تنسوا أن تتابعوا العرض المسرحي لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، وخصوصاً بطلها الكبير، المرشح الجمهوري دونالد ترمب!.