إبراهيم عبدالله العمار
تخيل أنت تمشي وأردت شراء شيء، تمد يدك لجيبك لتخرج بعض المال، قبل أن تصل له تكتشف في جيبك أوراقاً بيضاء لا تحوي أي شيء. لا تدري من أين أتت. تأتي هبّة هواء وتُطيرها بعيداً. كيف ستشعر؟ باللا مبالاة التامة! إنها أوراق بيضاء لا قيمة لها.
تُكمل البحث وتصل للمال. ماذا لو أن عصفة هواء أتت الآن وأطارت هذا المال الذي في يدك؟ ستذعر! ستركض وراء وريقات المال تلتقطها ولو كانت ريالاً. لماذا؟ لأنها من أهم مواردك.
إن المال مورد ثمين يجب حفظه. لكن لديك موارد أخرى هامة، ليست كلها محسوسة، لا تنتبه لها، منها... الانتباه نفسه!
في موضوعٍ سابق تكلمنا عن نظامين من التفكير موجودين في عقلك وعقل كل إنسان، النظام الأول هو السريع الآلي، وهو الذي يتيح لك أن تعرف فوراً إجابة 1+1 أو أن تستبينَ العدوانية في نبرة صوت شخص أو أن تميّز أي جسمين أقرب لك، تفكير آلي فوري لا يحتاج لجهد ولا لوقت. النظام الثاني هو البطيء وهو الذي يحتاج لوقت وبعض الجهد منك، وهذا يأتي في مواقف مثل أن تملي رقم هاتفك لمن يطلبه أو أن تقارن بين سيارتين من ناحية السعر.
الانتباه له كمية معينة، وإذا انتهى مخزونه فإنك تفشل في المهمة التالية التي تتطلبه (أياً كانت)، ذلك أن الانتباه له طاقة معينة: شخص يقود السيارة في موقف يحتاج التركيز لن يستطيع أن يكمل إنصاته لك، لذلك تتوقف عن الكلام إذا أراد أن يتجاوز سيارة أمامه.
النظام 1 (السريع) يضع اقتراحات للنظام 2 (البطيء): انطباعات، بديهة، نوايا، مشاعر. إذا أخذها 2 تتحول هذه الانطباعات والبديهات إلى اعتقادات، والدوافع إلى قرار إرادي. إذا مشت العملية بسلاسة - وهو الحال في الغالب - يطبق 2 اقتراحات 1 بلا تغيير. أنت غالباً تصدِّق انطباعاتك وتتصرف وفق هواك. إذا احتار 1 فإنه ينادي 2 للمساعدة. يتحرك 2 إذا لم يقدر 1 أن يحل المشكلة، كما يحصل لو أردت ضرب 24 في 17. أيضاً يعمل النظام 2 عندما تتفاجأ، حيث يختل النظام الذي تعود عليه 1، فالقطة لا تنبح، والمصباح لا يقفز، وإذا تفاجأ عقلك بشيء خارج عن المألوف يتولى النظام 2 دفة التفكير. صحيح أن النظام 1 لديه تحيزات وأخطاء لكن يستحيل أن تجعل النظام 2 يحل مكانه دائماً، وأفضل ما نستطيع عمله أن نجعل النظام الثاني يتدخل في الحالات الهامة.
هذا تفصيل أكثر للنظامين 1 و 2، وفي موضوع قادم سنرى أوجهاً شائقة لهما.