عماد المديفر
كان من المقرر أن أسرد اليوم القصة التي روتها لي الفتاة الإندونيسية «بوتري» حول تمدد سيطرة أتباع فكر ولاية الفقيه التكفيري الإرهابي المتطرف داخل أكبر دولة مسلمة في العالم، وكيف أنهم نجحوا في الوصول إلى البرلمان عبر عدد ليس بالقليل من النواب، لكن التحركات العسكرية الروسية غير الإيجابية، والمتصاعدة بشكل مريب خلال هذا الأسبوع في سوريا استلزمت مني تغيير الموضوع..!
لقد رصدت الأجهزة العسكرية والاستخباراتية - لعدة دول - تحركات عسكرية مكثفة، متصاعدة، ولافتة، للقوات الروسية باتجاه الأراضي السورية خلال الأسبوعين الماضيين أكثر من أي وقت مضى، وأشارت المصادر إلى أن «هناك أكثر من 150 جندياً وضابطاً روسياً يعملون على بناء وتوسعة قاعدة عسكرية لتتسع لمساكن ما لا يقل عن 1500 من رجال القوات الخاصة الروسية في سوريا»، قيل إنها في «جبلة» معقل أتباع الطاغية المجرم بشار الأسد، يأتي ذلك في الوقت الذي أشارت فيه هذه المصادر إلى تحركات سابقة تجري على قدم وساق لإنهاء أعمال توسيع قاعدة «باسل الأسد» العسكرية في اللاذقية لتستعد لاستقبال طائرات عسكرية روسية ضخمة الحجم مصممة لحمل الدبابات والمدرعات، إضافة إلى أعداد كبيرة من الجنود، هذا بالإضافة لما جرى نشره في وقت سابق لـ « عدة دبابات من طراز T90 لم يسبق لقوات الأسد امتلاكها، وعشرات المجنزرات، إضافة إلى منظومة صواريخ مضادة للطيران، فضلاً عن منظومة رادارات.»!
كما أكد «البنتاغون» رصده عبر الأقمار الصناعية وصول عدد أربع طائرات قتالية روسية نفاثة متطورة من نوع «سوخوي» يوم الجمعة الماضي، إضافة لما جرى اكتشافه يومي الخميس والأربعاء من إرسال لعدد من المروحيات الحربية، وعتاد، وآليات، وناقلات جند، وذخيرة، وعدد من أفراد مشاة البحرية الروسية، في تحرك وصفته أجهزة استخبارات دولية بأنه «أكبر تحرك عسكري خارج فضاء الاتحاد السوفييتي منذ حرب أفغانستان».
هذا التحرك الذي لم تستطع «موسكو» نفيه أو إنكاره، بل دفعت بالقول إلى أن هذه التحركات تأتي ضمن سياق ما تسميه «الحرب ضد الإرهاب».. في الوقت الذي شكك فيه محللون عسكريون وأمنيون في صدقية هذه الادعاءات، وهو ما دفع بوزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» للتشكيك هو الآخر في هذه المزاعم، عطفاً على نوعية الطائرات، والذخائر، والمعدات المرسلة، قائلاً: إنه يصعب تصديق مثل هذه الادعاءات..!، بل إن تحليلا سريعا لنوعية هذه التعزيزات يدعو لمزيد من التساؤل حول «حقيقة ما يجري..؟!»، وما هي الأهداف الكامنة وراء هذه التعزيزات العسكرية؟!».
فيما رأى المختصون أن «الرادارات» والأسلحة المضادة للطائرات ليست بالتأكيد موجهة للحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي الذي لا يمتلك في الأساس أي نوع من الطائرات الحربية..! وأن «داعش» ليس إلا ذريعة لتكثيف هذا التواجد العسكري الروسي على الأراضي السورية، بهدف سحق إرادة الشعب السوري، تماماً كما كانت «داعش» مجرد ذريعة أوجدها وهيأ لها نظام المجرم العميل بشار الأسد الأرضية لتبرير طغيانه وإجرامه في حق الشعب العربي السوري وإخضاعه لسلطته المجرمة، بقوة الحديد والنار، ورفعه لشعاره المعروف «الأسد أو نحرق البلد».. يقول محلل سياسي سوري خبير:» إنها ذات الاستراتيجية التي اتبعها الأسد في تبرير تدميره لسوريا الإِنسان والحضارة، ما يعطي إيحاء بأن المخطط واحد.. هم في الحقيقة لا يريدون القضاء على داعش التي دعم وجودها بالأساس نظام المجرم بشار، إلا بعد سحق الشعب السوري، وانتفاء الحاجة لها، ولربما توظيفها في مكان آخر ضد الدول العربية»!، ويصف سوريون ما يجري بأنه «مقدمة لإعلان الاحتلال الروسي للأراضي العربية السورية، ونوع من الاستعمار، وأن نظام الساقط بشار الأسد ليس سوى واجهة لهذا الانتداب الشرقي الروسي الجديد على حساب الشعب العربي السوري وحريته»!.
إن القلق الغربي من هذه التحركات المريبة جدي، وهو ما يفسر تلقي وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» لثلاثة اتصالات هاتفية خلال عشرة أيَّام من نظيره الأمريكي، وصفها الإعلام الأمريكي بـ «الجزعة» و»المذعورة».. واللافت أن هذا التصعيد الروسي العسكري المكثف جاء في أعقاب الكشف عن زيارة سرية إلى موسكو قام بها الإرهابي الإيراني «قاسم سليماني» قائد ما يسمى «فيلق القدس» - الذراع العسكري والمشرف المباشر على العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني والمصنف دولياً كمنظمة إرهابية - التقى خلالها - حسب تقارير إعلامية غربية - الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، ووزير خارجيته «لافروف» وقيادات استخباراتية وعسكرية روسية رفيعة، كما تأتي هذه الزيارة في توقيتها - والتي استمرت لأكثر من ثلاثة أيَّام، وأعلنت واشنطن أنها ستحتج عليها أمام مجلس الأمن باعتبارها انتهاكا لقرارات دولية تحظر على الإرهابي «سليماني» السفر إلى الخارج - بعد الاتفاق النووي بين الدول الخمسة زائد واحد وإيران، وبعيد زيارة سمو ولي ولي العهد إلى موسكو، إلا أن موسكو بدورها نفت مثل هذه الزيارة.
يتساءل أحدهم: «المصالح الروسية محفوظة إن أرادت موسكو ذلك.. لكن يبدو أن بعضاً من نخبها القيادية لم يتعلموا جيداً من مأساة المستنقع الأفغاني».. إلى اللقاء.