عماد المديفر
كان من المقرر أن أستكمل اليوم ما ناقشناه معاً في هذه الزاوية الأسبوعية حول تبعات وانعكاسات «الاتفاق النووي» بين الدول الخمس زائد واحد وإيران، والذي أتى ليكشف عن نجاعة استخدام إيران لقواها الناعمة، ودبلوماسيتها العامة،
رغم ما ترتكبه من سلوكيات وأفعال شريرة على مستوى الإقليم، والعالم، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، إلا أن حادثة تفجير مواطن سعودي نفسه في مسجد قوات الطوارئ في أبها أتت لتدق ناقوس خطر آخر.. إنه الطابور الخامس للعدو بيننا.
يظن الكثير - أو هكذا يصور لهم بعض الدعاة مشبوهي التوجهات - أن تنظيم «داعش» الإرهابي تنظيم غريب لا أصل له، وأنه لا يجذب إلا المعتوهين ممن «غُسلت أدمغتهم»، وكأنه «نبت شيطاني»، يرسل أشباحه، وسحرته عبر العالم الافتراضي، ليلقوا بشعوذتهم على أبنائنا، وليعزفوا على مسامعهم لحن الناي الشيطاني الذي يجذبهم وراءه منقادين، كفئران مدينة «هاملن» في قصة عازف الناي الألمانية المشهورة، فيجرهم إلى حتفهم مغرمين، وليصطادهم كالسمك الذي لا حول له ولا قوة..! فهم، ودون إرادتهم، يُسحرون، وبه يُغرمون! فيمنحون له أنفسهم، ويُضحون لأجله بأرواحهم، ويسلمون له رقابهم ليتحكم فيهم كيفما شاء!!
أستغرب من هذا التسطيح الذي قد يردده البعض عن جهل منه، لكن من بث أسلوب التفكير هذا فئامٌ منّا لا أُحسن بهم الظن، قد يكون بعضهم ممن له رأي ومشورة، تغلغل على حين غرّة، مستغلاً إحساننا الظن به، لاعتبارات اجتماعية، أو لمظهره المتدين، أو شهادته التي يحملها، فأرادنا أن نبتلع هذا الطعم، ونلتصق بمثل هذه المقولات الفارغة التي تستهدف إلهاءنا عن أصل المشكلة، ولتصبح معالجتنا لقضايا الإرهاب معالجة سطحية، لا تخرج عن «التنديد» و»الاستهجان» و التحذير ببلاهة متناهية من «داعش» و»الارهاب»، أشبه ما يكون بالسطر المكتوب للتحذير من «التدخين» على علب السجائر كرفع عتب، واخلاء مسؤولية، دون أثر حقيقي.. لأن من وضع هذا السطر التحذيري كان مجبراً، فهو ببساطة لا يريد لزبائنه المدخنين أن يقلعوا عن إدمان السجائر! وإلا خسر مشروعه الذي كرس له حياته وجُل طاقاته!.
ولتتأكد عزيزي من كذب وسخف هذه المقولات، والتفسيرات، فلترجع بنفسك لردة فعل كثير ممن يسمون بـ «الدعاة».. بل وبعضهم قد يكونوا متغلغلين بالتعليم الأساسي والعالي، ستجدهم، وقبل فترة، روجوا إلى «داعش» والإرهابي الإخواني «البغدادي»، وإلى تحرير الارهابيين من السجون، وإلى الترويج لـ «جبهة النصرة»، والتبرير للـ»القاعدة»، بل والدفاع عنهم بالقول بأنهم «لا يتساهلون بالدماء»، وآخر يترحم على الإخواني الإرهابي المجرم مؤسس القاعدة «أسامة بن لادن»، وغيره من وصف تنظيم «داعش» بأنهم «إخواننا بغوا علينا»..! وهم أنفسهم من ينتصر لتنظيم الإخوان المسلمين، وينشر فكره بين أبنائنا..! ويصورون لقطيعهم بأن الحرب على فكر الإخوان الإرهابي حربٌ على الإسلام! وهم بذلك لا يسيئون لديننا فحسب، بل ويُكفرون كل من لم يسر على نهجهم، أو على الأقل يسكت عنهم! بل ستجدهم أنفسهم هم أبرز من سعى ويسعى كذباً وبهتاناً بادعاء أن «داعش نبتة سلفية»..! الموضوع مرتب له وخطير جداً.. وليس مجرد تطرف في فهم الدين.. ينتج عنه تصرفات فردية!.
أتعجب أيضاً من طريقة تناولنا لمصطلح «غسل الأدمغة» هذا! إنه تسطيح ما بعده تسطيح، وتبسيط لمشكلة خطيرة جداً تهدد الوطن، والأمتين العربية والإسلامية، وتقدم «داعش» و «الإرهاب» وكأنه لا صلة بينه وبين تنظيمات، وناشطين، وأفكار متبناة على نطاق واسع، ينشط بيننا من يروج لها، ويدعوا إليها، تارة بحجة محاربة ما يسمونه بـ «التغريب»، وتارة بحجة «نُصرة إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها»، وتارة بحجة «تحرير فلسطين ومقاومة المحتل الصهيوني»، وتارة بحجة «محاربة عملاء الدول الاستعمارية الكافرة والمستكبرة» أو «عملاء أمريكا» وشيطنتها، وشيطنة «الغرب والشرق الكافر» تمهيداً لاقامة «دولة الخلافة» المزعومة..!
« محاربة مظاهر التغريب»، «نصرة المستضعفين»، «تحرير فلسطين»، «مقاومة المحتل الصهيوني»، «محاربة عملاء الدول الاستعمارية الكافرة والمستكبرة».. بمن تذكركم هذه الشعارات؟!
إنها ذات العبارات التي يرددها «داعش»، و «القاعدة»، و «الخميني»، « والخامنئي»، « وحسن نصر الله»، و «عبدالملك الحوثي».. وأمهم جميعاً، وأول من رفع هذه الشعارات لخداع الجهلة من الجماهير .. «تنظيم الإخوان المسلمين» المنتشر في كل أصقاع العالم، من شرقه حيث اندونيسيا والصين والفلبين، إلى غربه حيث أمريكا، وأوروبا، وهو ما يفسر تنوع جنسيات المجندين لداعش والقاعدة، فيما هم جميعاً «داعش، القاعدة، نظام الولي الفقيه، والإخوان» يسعون لهدم وتفتيت الأمتين العربية والإسلامية، ونشر الفوضى والخراب، وسفك دمائنا بأيدينا لخدمة «المستفيد» الذي زرع فكر «الإخوان» بين المسلمين.
أما اليوم، فكما ذكر سمو الأمير المحبوب ابن المحبوب/ فيصل بن خالد -أمير منطقة عسير- حين وضع يده على مكمن الجرح فقال: لقد «اختاروا بيوت الله لتنفيذ فكرهم التكفيري البعيد عن الإسلام والمسلمين، وذهب ضحيته عدد من جنودنا البواسل، ولكن عزيمة الأبطال تجعلنا نتفاءل بأن هذا العمل هو بداية النهاية لهذا الفكر ولمفتيهم ولأدواتهم ولجميع من يسير خلفهم، التنديد العالمي كان واسعاً، والتلاحم الشعبي في المملكة أكد على قوة الترابط بين القيادة والشعب، الجميع يسير للقضاء على هذا الفكر، وهو قريباً - بإذن الله - ولن تطول فترة القضاء عليهم».. التوقيع: فيصل بن خالد بن عبدالعزيز.