محمد بن عيسى الكنعان
ثلاثة لا تحتمل الشماتة، ولا تقبل الأنفس الكريمة التشفي بأهلها عند وقوعها، وهي: (المرض، والمصيبة، والموت)، غير أن الإعلام الخبيث، وأبواقه المأجورة من قنوات فضائية، وإعلاميين، ومغردين، لا يعرفون أخوة الدين، ولا يتمتعون بأدنى درجات القيم السامية، لأنهم يفتقرون لنبل المشاعر، وفضائل الأخلاق، فهم أساساً مجردين من الأحاسيس ولا يرون قيمة للإنسان، وحقيقتهم أنهم تجار أزمات، وأهل فرح بمصائب الآخرين. فالسياسة أفسدت عقولهم، والحقد الطائفي عفّن في قلوبهم؛ لذلك كانت الحادثة الأليمة بسقوط إحدى الرافعات في الحرم المكي يوم الجمعة، 27 ذي القعدة 1436هـ (11 سبتمبر 2015م)؛ فرصتهم لينبحوا في إعلامهم، ويبثوا سمومهم، ويعلنوا شماتتهم ضد المملكة، ويطعنوا بجهودها الخيرة وأعمالها الجليلة في خدمة الحرمين وضيوف الرحمن، معتقدين أنهم بذلك يهزون كيان المملكة، أو يربكون قيادتها، أو يزحزحون ثقة شعبها، أو يزرعون الشك في صدور المسلمين تجاه خدمة المملكة للحرمين والحجاج والمعتمرين والزوار.
لقد فات على تجار الأزمات وأصحاب النفوس الخبيثة أنهم في حقيقة الأمر يشمتون بإخوة مسلمين سقطوا شهداء (نحسبهم كذلك والله حسيبهم)، فكانت فاجعة عظيمة على كل قلب مسلم صادق في أي مكان بالعالم، ذلك المسلم نقي الصدر وسوي الفطرة يُدرك تماماً أن سقوط الرافعة جاء قبل كل شيء بقضاء الله وقدره، سبحانه وتعالى بتلك الأمطار الشديدة والعواصف القوية، التي لم تشهدها الأراضي المقدسة من ذي قبل، خاصةً أن حوادث الرافعات تقع ووقعت في أكثر من بلد من الدول المتقدمة، وفي أجواء مناخية طبيعية. ولكن هي الفروقات بين من سقط تحت الرافعة شهيداً بإذن الله، وبين من سقط مع الرافعة حقيراً عندما استغل الحادثة لتصفية حسابات سياسية عجز أن يقوم بها في مواجهة حقيقية مع المملكة أمام العالم.
ما أقول لا يعني تبرير الحادثة، أو محاولة تغطية أي قصور في إجراءات السلامة، إنما تعامل واقعي مع ظروف معينة، فحجم الأعمال الضخمة والمستمرة على مدار الساعة في مشاريع الحرمين الشريفين، وفي ظل وجود معتمرين وزوار على مدار الساعة، ينفي التقصير، ولا يقلل من جهود المملكة، التي تسخر كل إمكاناتها لهذا الشرف العظيم منذ تأسيسها، بل إن أجهزتها الحكومية تعمل خلال موسم الحج بكل طاقاتها.
لقد نصبت المملكة تلك الرافعات في الحرم المكي وهي شامخة تطال السحاب، وكأنها بذلك تكتب ملحمة الخير لراحة الحاج والمعتمر، نصبتها وكأنها تعبر عن شموخها، الذي لا يدانيه من ينصب الرافعات لشنق الأبرياء، لذلك فمن يشمت في السعودية بسبب هذه الفاجعة، أو يطعن في أعمالها الجليلة، فهو كمن سقط مع الرافعة إلى مستوى حضيضه، وهذا طبيعي مِن مَن اعتاد الأعمال الفاسدة والمواقف الدنيئة، والمشاركة في قتل المسلمين في أكثر من مكان؛ لهذا لم تلتف حكومة المملكة لذلك الإعلام الخبيث وأبواقه المأجورة، فلغتها هي أعمال الخير والبناء، ورسالتها خدمة ضيوف الرحمن، وهما الرد الحاسم الذي يفرح له كل مسلم، ويغيض كل فاجر أو موتور أو طائفي يعشق الدم على حساب الدين، وما يؤكد ذلك إلا القرارات الملكية الحازمة، التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لمعالجة آثار الحادثة بزمن قياسي.