د. عبدالرحمن الشلاش
تركت حادثة رافعة الحرم المكي الشريف سحابة من الحزن لفت الجميع بقتامة كئيبة دون اعتراض على أقدار الله سبحانه وتعالى، فالحوادث من هذا النوع ليس لها مقدمات، وشدة الرياح لم تترك أي فرصة لتلافي سقوط الرافعة الثقيلة. رغم موجة الحزن إلا أن اهتمام الدولة وحرصها وتواجدها في مكان الحدث منذ اللحظات الأولى قد أشاع أجواء الطمأنينة وخفف الآلام.
كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في المقدمة وعلى رأس هرم المهتمين، تواجد في المكان والزمان وتفقد آثار الحادثة وأصدر توجيهاته العاجلة بالتحقيق ومحاسبة من يثبت تقصيرهم، وزار المرضى في المستشفيات، ومن يعرف سلمان الحزم جيدا لا يستغرب منه كل هذا الاهتمام والحرص فهما جزء من شخصيته القيادية الحازمة والحاسمة، فهو لا يقبل الخطأ حتى من أقرب الناس فكيف بحادثة تقع في بيت الله الحرام، وهو المكان الطاهر الذي يشهد كل ركن فيه بالجهود الضخمة التي قامت بها الدولة ومازالت إلى اليوم، فالدولة تحشد كل إمكاناتها في كل موسم حج لتحقيق أعلى معدلات النجاح ولا تقبل بأي نسبة خطأ حتى ولو كانت بسيطة.
خلال ثلاثة أيام فقط بعد وقوع حادثة الرافعة صدر بيان عاجل من الديوان الملكي ربما يعد الأسرع في السنوات الأخيرة، هذا البيان العاجل والسريع وضع النقاط على الحروف وبكل شفافية. كان بيانا مبهجا لصراحته ووضوحه وقوة قراراته، وأجمل ما فيه أنه لم يهمل مواساة ذوي الشهداء والمصابين سواء بالتعويضات المالية أو منح التأشيرات لأهالي المصابين لزيارة ذويهم أو استضافة عدد من أهالي الشهداء لأداء مناسك الحج على حساب الدولة.
البيان تحدث بشفافية عن نتائج التحقيق حيث نفى الشبهة الجنائية ، ثم عاد للتأكيد على أن الرافعة وإن كانت قد تعرضت لرياح قوية إلا أن كونها في وضعية خاطئة مخالفة لتعليمات التشغيل التصنيعية فقد تسببت ولو بصورة جزئية فيما حدث، ولذلك أمر خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله بإيقاف تصنيف مجموعة بن لادن ومنعها من دخول أي مشاريع جديدة، ومنع سفر جميع أعضاء المجموعة إلى حين انتهاء كافة التحقيقات، وإحالة نتائج التحقيقات إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام لاستكمال إجراءات التحقيق مع مجموعة بن لادن وإعداد لائحة الاتهام وتقديمها للقضاء للنظر في القضية وإلزام المجموعة بما يتقرر شرعا.
بيان الديوان الملكي جاء مدهشا للجميع وفي زمن قياسي جدا وغير متوقع، وبالذات أن اللجان عادة ما يأخذ عملها زمنا طويلا حتى تظهر نتائجه مما يدل على قوة التوجيه بإنهاء أعمال اللجنة بأسرع ما يمكن، وهو منهج رائع متى ما استمر أدى إلى إصلاح أوضاع كثيرة. القرارات القوية لقيت ترحيبا شعبيا في الداخل ودوليا في الخارج وسيؤدي في المستقبل لنتائج أفضل حين يحس الجميع أنهم تحت المساءلة والجزاء من جنس العمل. هذا بالضبط ما ترك ارتياحا كبيرا في كل الأوساط، واطمئنانا في النفوس بأن ملك الحزم يتابع بنفسه لإحقاق الحق وفقه الله وبارك في عمره.