عبدالعزيز السماري
اختلف علماء الاجتماع في أي العصور كان أكثر انحطاطاً في تاريخ العرب، وأشار بعضهم إلى المرحلة التي تلت سقوط بغداد، لكن لا أعتقد أنهم سيختلفون على هذا الزمن بعد الآن؛ ففي هذا الزمن وصلنا إلى أقصى درجات الجمود والتخلف. ولعل ما يجعل هذا العصر مختلفاً عن غيره أن الفتوى والوعظ الديني وصلا إلى مراحل يشيب منها الولدان، وأصبحا بالفعل بمنزلة الترمومتر الذي يقيس الوعي، ويكشف مدى غطرسة وسيطرة العقل الجامد على الحياة.
المفتون أو «الموقِّعون عن رب العالمين» كما وصفهم ابن قيم الجوزية في عنوان كتابه «إعلام الموقعين عن رب العالمين»، الذي فتح الباب على مصراعيه من خلال هذا الوصف بخروج مئات الآلاف من المفتين الواهمين أنهم يقولون نيابة عن الله - عز وجل -، وأن أقوالهم تمثل شرع الله الذي لا يجب مخالفته. وما زلت من الذين لا يحبذ مثل هذا الوصف؛ لأنه لا يوجد على الدنيا من ينوب عن الله - عز وجل - بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم. وقد كان وصف «مفتٍ» غائباً في زمن التابعين، وكان هناك فقهاء قدموا مدارس في الاجتهاد، ووضعوا مقدمات لم تكتمل في مشروع القانون الإسلامي?
كان آخر فتوى سمعتها تلك التي حرم فيها رجل دين، يحترف مهنة الفتوى والوعظ، التحليل الرياضي والفني. وعجبت كيف أقنع نفسه بأنه وصل إلى تلك المكانة التي تجعل منه مصدراً للتوقيع باسم الله - عز وجل - عن الحرام في الدنيا، في حين تعلمنا من أصول الدين أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم ترد فيه نصوص تحرِّمها قطعياً. وذلك يدل على مدى كبرياء الجهل الذي وصل إليه بعض الوعاظ، ولاسيما أنهم يدركون أنهم بفتواهم هذه يلعبون بالنار، ويدينون المجتمع بتحليله ما حرَّم الله.
من صرعات الانحطاط الديني ما سمعته أيضاً من رجل دين شيعي، يتحدث فيها عن حاجة المسلمين إلى صكوك الإمام علي لدخول الجنة، أو المشي على الصراط. وبلغ في الغلو مبلغاً غير مسبوق عندما أشار إلى أن رسول الله - عليه أفضل الصلاة والتسليم - لن يمر الصراط إلا بصك من الإمام علي! عندها أدركت أن ما يحدث في عالمنا العربي من انحطاط مصدره هذا العقل الغريب..?
يدخل الوعظ عن الحور العين عند بعض مشايخ السنة مرحلة الهوس الجنسي في كثير من الأحيان، فالحديث عنها لا ينتهي في وعظهم، وكان آخر ما سمعته أن المسلم إذا دخل الجنة كان له زوجته، وحولها سبعون حورية، وكل حورية يتبعها سبعون وصيفة، ومجموعهم بحسبة بسيطة يبلغ 4900 امرأة، هذا بالإضافة إلى زوجته بالطبع. فما بالك من مات وفي ذمته أربع زوجات. كما يرددون عن ابن عباس كلاماً لا أعلم مدى صحته، يقول فيه «إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة، لا يملها ولا تمله».
مثل هذا الوعظ يجعل من عيش الشاب في عمر المراهقة والشباب في الحياة الدنيا مضيعة من الوقت. ويفسر ذلك خلو قوائم الانتحاريين من الذين بلغوا سن الكهولة؛ فالعقل في هذا العمر تتطور غرائزه، وتصبح أكثر نضجاً، ويدركون أيضاً أن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ وبالتالي تسمو الجنة عن الوصف الجنسي الغارق في الغرائزية المفرطة، وتصبح الحياة عندهم هبة ربانية ذات قيم سامية، وليست قنبلة موقوتة من أجل الوصول بأسرع الطرق إلى عناق الحور العين.
هذه الدلائل وغيرها من وجوه الهوس الطائفي تجعل من العرب يعيشون في أسفل صور الانحطاط الأخلاقي والثقافي والإنساني والديني. ولو اعتبرنا أن الربيع العربي كما يُطلق عليه كان محاولة عربية جريئة للخروج من عصور الاستبداد إلا أنه تم اغتياله بواسطة المفتين المتوهمين أنهم يوقعون نيابة عن الله - عز وجل -، الذين استغلوا نسائم الحرية لاغتيالها في المهد، ثم فتحوا منصات لتفجير أجساد الشباب بعد أن أوهموهم أنها أقصر طريق إلى الجنة.
خلاصة القول: إن العرب لن يخرجوا من انحطاطهم هذا إلا بعودة هؤلاء إلى الماضي في أقرب رحلة زمنية، فالمستقبل ليس في حاجتهم على الإطلاق.. والله المستعان.