اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وكان الموقف يفرض على القيادة ذات النهج المبدئي أن يعطي فيها القائد الأولوية لصفات قيادية معينة كانت الأولوية لغيرها، وأن يوازن بين الصفات وتأثيرها على ممارساته وقراراته، وقرار عاصفة الحزم يقف شاهدًا على ذلك،
فبعد أن كان ميزان القيادة ترجح فيه كفة الصبر والحلم؛ تغير الوضع، ورجحت كفة الشجاعة والحزم، وتجلت قيمة الخلق الذي هو منبع تأثير شخصية القائد ومصدر إلهامها، وانطلاقًا من هذه القاعدة؛ اتخذ الملك سلمان قراره ببدء عاصفة الحزم، وتشكل التحالف العربي، واقتضت مشروعية الحملة الجوية ومشروعية أهدافها، أن تكون الأهداف المستهدفة بالقصف أهدافًا عسكرية منتقاة، وهذه الأهداف هي التي تشكل تهديدًا لأمن المملكة، وفي الوقت نفسه تمثل عناصر القوة التي يعتمد عليها الحوثيون للتوسع وفرض الأمر الواقع، الأمر الذي استدعى توجيه الضربات الجوية ضدها لإبطال مفعول خطرها، وتوالت الضربات الجوية المركزة دون إلحاق ضرر بالمدنيين، أو المساس بالمنشآت المدنية، ويعود ذلك إلى دقة التخطيط والمهارة في التنفيذ، والالتزام بقوانين القتال ومبدئية القيادة.
ومما زاد الأعباء على الحملة الجوية، وجعلها أكثر حذرًا عند تعاملها مع الأهداف؛ أن هذه الأهداف داخل مناطق سكنية، وقصفها مدعاة لوجود مخاوف من حدوث أخطاء خارجة عن الإرادة، وذلك أن المخلوع ونظامه السابق لم يترك محافظة ولا مديرية إلا أسس فيها منشأة أمنية وقاعدة عسكرية، وكدَّس الأسلحة والذخائر فوق الأرض وتحتها، ويتضاعف عدد هذه الثكنات العسكرية والمعسكرات الأمنية في العاصمة والمدن الكبرى وحواضر المحافظات، الأمر الذي أصبحت معه هذه المدن والمحافظات مناطق عسكرية أكثر منها مدنًا حضرية ومرافق تنموية، وهذا الوضع يختفي خلفه نوايا غادرة ورؤية ماكرة، أنتجت خططًا فاجرة أُريدَ منها قمع الشعب والسيطرة عليه أمنيًّا تحت غطاء الدفاع عنه، وهذا هو ما يحصل الآن على يد الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع، حيث تحاصر المدن وتقتل المواطنين، وتدمر مقراتهم وتنهب وتسلب ممتلكاتهم، وتجعل منهم دروعًا بشرية لحماية الأسلحة التي يُقْتَلون بها، بدلًا من أن تحميهم هذه الأسلحة، ورغم هذه الصعوبات التي تكتنف عمليات القصف الجوي لعاصفة الحزم؛ إلا أن احترافية الطيارين ومهنيتهم وأخلاقهم النابعة من أخلاق الإسلام والمدعومة برؤية ذات فكر مبدأي، كل ذلك جلب لهم الهدى وحجب عنهم الردى.
وتوقفت عاصفة الحزم بعد أن حققت أهدافها العسكرية، ومهدت لتحقيق الأهداف السياسية، وحلَّت محلها عملية إعادة الأمل، وتعاملت دول التحالف بقيادة المملكة مع هذا التحول بمبدئية ومنظور قيادي، يتبنَّى مشروعية نصرة حاكم شرعي مظلوم وشعب مسالم مكلوم، وتُشكل عملية إعادة الأمل امتدادًا لعاصفة الحزم في جانبها العسكري، وتُضيف إليها الجانب الإنساني، مؤكدةً أن القتال في اليمن من أجل أهل اليمن، وأن اليد التي تضغط على الزناد، وتضحي بالدم هي اليد التي تضحي بالمال، وتقدم المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة الشعب اليمني وإعادة الأمل إليه، ومركز الملك سلمان وبرامجه الإغاثية والخيرية يترجم جهود الجميع، ويقف شاهدًا على هذا الصنيع.
واستمرت الحملة الجوية أثناء مرحلة إعادة الأمل بوتيرة أقل من سابقتها، وكان القصف الجوي خلال هذه المرحلة أشد انضباطية، وأكثر انتقائية للأهداف؛ بحيث اقتصر على حماية المدنيين، وتدمير مصادر النيران التي تطلق على الأحياء السكنية، وكذلك مساندة المقاومة أينما كانت هذه المقاومة، مع المحافظة على عاملي التركيز والمفاجأة، علاوة على رصد الأهداف التي تطرأ من حين إلى آخر وقصفها، بما فيها تلك الأهداف التي تهدد أمن المملكة عبر الحدود بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومن أجل اكتمال العمل العسكري واتصال حلقاته الأمنية تقوم القوات السعودية المتواجدة في منطقة الحدود بتوفير أمن الحدود، وكذلك تأمين المدن والقرى الحدودية ضد أي تهديد معادٍ مهما كان مصدره وحجم خطره، كما يتم منع أي تسلل يقوم به العدو، وتحديد مصادر المقذوفات الطائشة وتدميرها، وهذه الطغمة التي ظهر حقدها من قول اللسان، وعداوتها أظهرها التنكر للإحسان وقول البهتان وتجاهل مواقف الجيران أثبتت الأحداث أنها لو استقر لها الأمر، وتأخرت عاصفة الحزم؛ بادرت هي بالعدوان وأقدمت على مغامرة متكاملة الأركان.
وأخلاقيات القتال المستمدة من أخلاق الإسلام التي تؤمن بها دول التحالف بقيادة المملكة واحترام هذه الدول لقوانين الحرب والمعلومات الاستخباراتية المتوفرة والتقانة التي يستخدمها المخططون والمنفذون، كل هذه العوامل كفيلة بأن تنأى العناصر المقاتلة بقصفها وما تطلقه من مقذوفات بعيدًا عن المدنيين، وأن تختار أهدافها بدقة واحترافية، وأي اتهام لها بعكس ذلك ما هو إلا تلفيق وتدليس من قبل عصابة تعتنق مبدأ التقية والنفاق السياسي والكذب وقلب الحقائق، وتعتبر هذا السلوك من الثوابت التي تتمسك بها لبلوغ أهدافها، بل وصلت بها عقيدتها الفاسدة إلى اعتبار الخرافات والشعوذات ضربًا من الكرامات الموروثة التي تجمع بين غلاة الزيدية وآيات الاثني عشرية.
وانطلاقًا من الوجه الحسن للسياسة، واعتبار الحرب أداة من أدواتها، فإن القرار الأممي (2216) بقدر ما يعتبر نتيجة عادلة لقضية ذات حيثيات أخلاقية تبنَّتها دول التحالف من خلال رؤية قيادية مبدئية، صاغت مكوناتها، والتزمت بقيودها وحدودها، بقدر ما هو ثمرة من ثمار عاصفة الحزم، ومحصلة لجهود سياسية ودبلوماسية ناجحة، لم تشبها شائبة النفاق السياسي والخداع الدبلوماسي، بل انطلقت من منظومة قيادية طوَّعت السياسة لفكرها القيادي، دون أن تسيِّس ذلك الفكر، أو تنحرف به عن الاتجاه المعلوم والهدف المرسوم، وقد قال أرسطو: الصبر على مضض السياسة ينال به شرف الرئاسة.
وقد تأكد للجميع أن عملية إعادة الأمل بشقيها العسكري والإنساني ينطبق اسمها على مسماها وأن الألقاب تنزل من السماء، كما تبين أن وراء هذه التسمية تخطيط قيادي مشفوع برؤية قيادية وخطط تنفيذية تربط بين الشيء ومدلوله، وتقرن الأقوال بالأفعال، وهذا المشهد الذي تجسدت من خلاله عملية إعادة الأمل على أرض الواقع، وعكست للمشاهد صور الانتصارات في عدن وعدد من المحافظات اليمنية، والتحضيرات الجارية نحو تكملة المشهد، وتخليص اليمن مما يخيم عليه من الظلم، ما هو إلا صورة حية وترجمة عملية للأمل المعاد على يد أبناء اليمن وحكومته الشرعية، وبدعم سخي من دول التحالف التي ضحَّت بالغالي والنفيس رابطةً بين العمل والأمل، وعاقدة العزم على النصر بإذن الله، والسهم الذهبي يمثل طرف المعادلة الأول في حين يمثل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية طرفها الثاني.
وقد اصطدمت مبدئية القيادة وواقعية السياسة التي تنتهجها دول التحالف وحكومة اليمن الشرعية بالغوغائية السلوكية والنفاق السياسي من قبل الحوثيين والمخلوع الذين لا يوجد في قاموس السياسة والسياسيين قبح أقبح مما يتعاملون به من سلوك غوغائي ومراهقة سياسية، تغلب عليها الهمجية والديموغائية المفرطة، وأبلغ الشواهد على ذلك سلوكهم في مؤتمر جنيف وممارستهم الممقوتة التي لا تخطئها العين في كل زمان ومكان، ناهيك عن وحشيتهم والروح الانتقامية المستحكمة لديهم، وما يرتكبونه من جرائم القتل والاعتقال التعسفي وتدمير المنازل والمساجد وطبيعة الشعار الذي يتسترون خلفه والمصطلحات التي يطلقونها على خصومهم والأمثلة أكثر من أن تحصى.
والعقبة الكؤود هي موقف مجلس الأمن تجاه قراره (2216) الذي أصدره بعد مناقشات مستفيضة، ومحاولات روسية بالالتفاف على مضمونه، وانتهى الأمر بصدوره تحت الفصل السابع في صيغة منسجمة مع عدالة القضية ووجود مبرراتها الشرعية والقانونية والسياسية، ومستوفية لما ترغبه دول التحالف العربي بقيادة المملكة وحكومة اليمن الشرعية، ولكن القرار بعد صدوره تعثر، ولم يأخذ طريقه إلى التنفيذ، وسبب ذلك مرده إلى اعتبارات سياسية غايتها تبرر وسيلتها من قبل بعض أعضاء المجلس، كما أن مندوب الأمم المتحدة يحاول أن يحصل على مكاسب على حساب متاعب الشعب اليمني، والمندوب بهذا الصنيع يذكِّر بعيوب سلفه الذي حاول هو الآخر أن يبني مجده على جثث أبناء اليمن وأنقاض منازلهم وأطلال دولتهم، وفي النهاية ذهب غير مأسوف عليه، وكل منهما يدوِّن شهادته على فشل مجلس الأمن وسياساته العقيمة التي أصبح بسببها محلًّا للتندر ومضغةً على الألسن، وجعلت منه مجلسًا للخوف بدلًا من الأمن.
والولايات المتحدة رغم مصالحها مع بعض دول المنطقة؛ إلا أنها أدارت ظهرها إلى هذه الدول وتخلت عن قضايا المنطقة لصالح إيران التي تعتبر طرفًا في هذه القضايا؛ بحيث غضَّت إدارة أوباما طرفها عن ممارسات إيران ورعايتها للإرهاب بسبب ملفها النووي؛ حرصًا من هذه الإدارة على الوصول إلى اتفاق في هذا الملف كما حصل فيما بعد، وينطبق هذا على الحرب في اليمن التي أرادت لها أن يطول أمدها حتى يتم توقيع الاتفاق، وهذا الاتفاق والعلاقة المترتبة عليه التي ظاهرها أنها وهل الساعة ومرتبطة بتوقيع الاتفاق، والصحيح أن الاتفاق إعلان لعلاقة سرية قديمة رغم العداء المزعوم والملاسنات الكلامية المؤدلجة والألقاب المتبادلة مثل: محور الشر والشيطان الأكبر، وهو أمر أقل ما يقال عنه أنه مبيت بليل، وأُريد له أن يكون مدخلًا ومبررًا لتخادم مصلحي وعلاقة كانت مغطاة بغطاء من العداء المصطنع والألقاب المكذوبة للإيقاع بالعرق العربي والمذهب السني، وتفتيت الدول العربية لخدمة إسرائيل وإيران، وأبلغ شاهد على ذلك ما تشهده المنطقة، وما يحصل في العراق وسوريا من قتل وتهجير وتطهير مذهبي قد يؤول بهما إلى التقسيم، وهل نسي أوباما أنه هو الذي قال: على القادة أن يفرقوا بين أن يمارسوا سخرية العملية السياسية وبين الأمل السياسي، وهيهات بين ممارسات إدارته أثناء مفاوضات الملف النووي مع إيران وتصرفها حيال قضايا المنطقة وغائية السياسة التي تتعامل بها، وبين الأمل السياسي الذي دعا إليه، ومتى كان الخبث السياسي أملًا سياسيًّا؟
وموقف كلٍّ من مجلس الأمن وأمريكا هو الموقف الذي أثَّر على الحرب الدائرة في اليمن بصورة سلبية وساهم في إطالة أمدها، عن طريق إطلاق الحبل على الغارب لعصابة إرهابية انقلبت على السلطة الشرعية واختطفت الدولة وسلمتها لإيران، وأمعنت في قتل البشر وتدمير المقر، حتى أن فظاعة جرائمها فاقت جرائم داعش، متخذة من إخافة الناس والديموغائية سبيلًا للسيطرة عليهم، دون أن تصنف من قبل أمريكا بأنها جماعة إرهابية، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب وشعارها الذي ترفعه في كل مكان وارتباط سيدها بفقيه إيران، أوجد لها حصانة والأسرار بالأمانة، وهنا مربط الفرس وحيث يعرف السبب.