محمد سليمان العنقري
جاءت فضيحة صانعة السيارات فولكسفاجن بمثابة صدمة كبيرة عالمياً وللصناعة الألمانية خصوصاً، حيث تُعد الشركة من أكبر مصنّعي السيارات في العالم.
وقال هربرت ديس رئيس العلامة التجارية فولكسفاجن في بيان أصدره منذ أيام إن حوالي خمسة ملايين سيارة تحمل هذه العلامة التجارية مرتبطة بفضيحة الغش في بيانات انبعاثات السيارات التي تعمل بالديزل، بينما كانت الشركة قد أعلنت أن حوالي 11 مليون سيارة وزعتها في العالم ترتبط بالفضيحة.
وبالرغم من تقدم المعايير الأمريكية بالمواصفات، إلا أن الوصول لاكتشاف طريقة غش فولكسفاجن استغرق حوالي ثلاث سنوات، مما يدلل على أن طرق الغش باتت أكثر تفوقاً من الأجهزة التي يمكن أن تكتشف مخالفاتها حتى بأكثر الدول تقدماً كأميركا، وبالحديث عن الغش التجاري عالمياً فقد أظهرت تقارير عالمية بأن حجمه يتجاوز ألف مليار دولار سنوياً، أما في العالم العربي فيصل إلى حوالي 50 مليار دولار منها حوالي 4 مليارات دولار في السعودية.
وبعيداً عن دقة هذه الأرقام، فإنها لا تكشف إلا ما يتم التأكد من مخالفته للمواصفات والمقاييس، بينما تتسلل الكثير من المنتجات لأسواقنا التي لم يتم بعد الوصول إلى أنها فعلاً تخالف المعايير المعتمدة للسماح ببيعها بأسواقنا، نظراً للحاجة الكبيرة لتطوير الأبحاث الخاصة بطرق كشف تلك المخالفات أو لعدم توفر التقنية حتى عالمياً التي يمكن لها كشف بعض أنواع الغش المبتكرة من المصنّعين.
أما أسباب الاتجاه للغش، فهي بديهي بهدف زيادة الأرباح فقط، ولكن من المفجع أن تلجأ لتلك الأساليب شركات عريقة وتتبع لدول كألمانيا التي يضرب المثل بجودة صناعاتها وتُعد قدوة صناعية عالمياً، وتقارع بصناعاتها كل الصناعات الأخرى في العالم من حيث الجودة والإتقان، ورغم نفي الحكومة الألمانية علمها بغش فولكسفاجن، بل وفتحها لتحقيق مع رئيس الشركة المعزول، إلا أن الأسئلة التي ستخطر ببال كل مستهلك: هل هذه الشركة فقط من غشت جمهورها في عالم صناعة السيارات؟.. وهل باقي السلع من غذائية وغيرها التي تنتجها كبرى الشركات عالمياً خالية من الغش؟.. وهل الاسم التجاري الناجح واللامع كافٍ للثقة بالمنتج؟.
رغم صعوبة الإجابة على هذه التساؤلات، إلا أن مسلسل الفضائح الذي طال كبرى الشركات بشتى الأنشطة يؤكد أن الثقة اهتزت، فقبل سنتين كانت فضيحة شركة نستلة للأغذية بقضية خلط لحم الخيول بمنتجات يفترض أنها لحم بقري قد هزت أوروبا، وأيضاً ظهرت فضائح شركة نوتيلا الشهيرة أيضاً بزيادة مكونات ضارة رغم ادعائها بصحية منتجاتها، ولا تخلو شركات الإلكترونيات والأجهزة المنزلية من فضائح ومخالفات كبيرة، لكن رغم يقين تلك الشركات بأنه سيفتضح غشها يوماً ما، إلا أنها تستمر لسنوات بمنتجها المخالف للمواصفات ليقينها على ما يبدو بعدم القدرة على اكتشاف الغش إلا بعد أعوام، وكذلك لتحقيقها أرباحاً ستغطي بأضعاف أي عقوبات تتعرض لها في أسوأ الاحتمالات لحساباتهم عند اتخاذ قرارهم بتغيير المواصفات، أو لاعتقادهم أن تطوير التقنية لتتطابق مع المواصفات المطلوبة سيأخذ وقتاً، ولا يمكنهم انتظارها حتى تنجز وتعتمد خوفاً من فقدانهم حصصهم بالأسواق، فيبتكرون طرق تحايل سريعة حتى يتم التغيير للتقنية المطلوبة التي تستغرق وقتاً لإنجازها.. ولكن بكل تأكيد يبقى قرار الغش خطأ تاريخياً، لأنه قد يكلف الشركة مستقبلها مهما كانت حساباتهم دقيقة، وهذا ما قد يواجه فولكسفاجن في حال تطورت القضية لأبعاد أضخم من ما هو حالياً، فأمريكا قد تلزمها بدفع 18 مليار دولار، ولكن إذا اكتشفت الفضيحة بدول أخرى وقررت تغريمها بأرقام ضخمة، فماذا سيكون مصير الشركة؟.
ويبدو أن الدول الكبرى صناعياً باتت بحاجة لوضع أنظمة صارمة على شركاتها الصناعية المصدرة، للتأكد من مطابقة صناعاتها لمعايير الدول التي تصدر لها منتجاتها، ولا بد من ميثاق دولي وتنسيق مشترك حتى يتم ضبط أعمال الشركات ومكافحة الغش التجاري بمختلف أنواعه، ولعل مجموعة العشرين تتولى هذا الأمر وتطور من أداء الأجهزة المعنية بالمواصفات والمقاييس، لتكون تقنياتها وأبحاثها مشتركة ومتبادلة، ليتم محاصرة الشركات ومنعها من الغش، إذ لا يبدو أن ما هو قائم بهذا الصدد كاف لضبط الشركات ومنعها من التلاعب.