د. أحمد الفراج
في الرياضة، ليس البطل هو من يستعرض، ويبهر الجمهور، بل من يعلن انتصاره في نهاية المطاف، وقد فهم أسطورة الرياضة العالمية، محمد علي كلاي، ذلك جيداً، في تلك الليلة التاريخية في كنشاسا، في عام 1974، عندما كان في مواجهة مع بطل العالم الشاب جورج فورمان، فقد أدرك محمد علي أن عمره المتقدم لن يساعده على هزيمة ذلك الشاب الجامح، وبما أن محمد علي إنسان حاد الذكاء حاد العبقرية، فقد انتهج إستراتيجية جديدة أثناء المباراة، إذ جعل منافسه الشاب يستهلك كل قواه الجسدية في لكمه، بينما اكتفى هو بالدفاع، وحماية رأسه، بينما كان يستخدم الحرب النفسية اللغوية ضد خصمه، وكلما زاد محمد علي في إهانة خصمه لفظياً، زاد غضب المنافس، واستمر في اللكم، حتى خارت قواه، وحينها هجم عليه محمد علي بتلك الخطافية التي جعلت خصمه يرتفع أرضاً ويسقط، وكانت القاضية التي لم يستطع الوقوف بعدها، وفاز محمد علي ببطولة العالم فيما يشبه المعجزة.
مثل هذا من الممكن أن يحدث في عالم السياسة، فقد كان قيصر روسيا مصمماً على أمرين: أن لا تخسر روسيا موطئ قدمها في سوريا، وأن يرد الدين لأمريكا، والتي أخرجت الاتحاد السوفييتي صاغراً من أفغانستان، ولهذا كان موقفه صلباً في دعم النظام السوري، ولم يزحزحه الترغيب والترهيب، فقد كانت روسيا، وليس إيران وحزب الله، هي من جعل نظام بشار الأسد يقاوم حتى اليوم، ويبدو أن بوتين استلهم تجربة الملاكم محمد علي، إذ انتظر طويلاً، حتى أدرك أن الوقت قد حان، فقرر الدخول الفعلي، لا اللوجستي، للمعترك السوري، ولا يبدو أن الولايات المتحدة والغرب عموماً في وارد صده، فلعبة الأمم أكبر من أن تدرك من خلال تصريحات الساسة، فما يجري خلف الكواليس يختلف جذرياً عن الواقع، ولنا مثال حي في مقولة: «الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل»!.
جيوش الكرملين في قلب الشام الآن، وربما أن محمد علي السياسة، أي فلاديمير بوتين، سيكون صاحب الضربة القاضية في نهاية المطاف، فقد سئم العالم أجمع من هذه المأساة، ومن مخرجاتها من قتل وتهجير، كما سئم العالم من المراوغات الأمريكية، والتنصل الغربي من التدخل المباشر، ومن مواجهة تنظيم داعش بشكل جدي، وفي مثل هذه الحال، تكون التنازلات أمر وارد جدا، وهناك حالة تفاؤل غير مسبوقة في أجواء نظام بشار، بعد دخول روسيا، ويبدو الأمر كما لو أن روسيا استلمت زمام المبادرة، لتضمن وجودها في هذه البقعة الجغرافية الهامة من جهة، ولتحمي النظام السوري، وتقضي على التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، ويبدو أن العالم لا يمانع في ذلك في هذه المرحلة الحرجة، فلننتظر مخاض قادم الأيام، والذي قد يشهد حلاً نهائياً للقضية السورية، ونصراً مؤزراً للتحالف الدولي، الذي تقوده المملكة، في اليمن، وهو الأمر الذي قد يختم بعلاقات إقليمية خالية من التوتر، وبشرق أوسط جديد خالياً من الطائفية والحروب والتنظيمات الإرهابية، وهذا ما يتمناه الجميع!.