فهد الصالح
تغيرت القيادات العليا وتقاعدت القيادات الوسطى وهرمت القيادات الدنيا، وعجلة الرياضة لدينا تسير ببطء وبيروقراطية غير عادية، حتى وإن كان الفكر الذي يقودها فكر شاب ويعرف قيمة تنمية الموارد والاستثمار، ولكي تسلم الرعاية من مصاريف الأندية وتتركها تعتمد على نفسها، تمهيداً للخصخصة التي بدلاً من أن تكون حلماً يدفعها إلى التميز، أصبحت شبحاً يترصد بها لتبقى في مكانها تسمع جعجعة ولا ترى طحيناً .
ولقد صدرت لائحة الاستثمار الخاصة بالأندية الرياضية، وأصبحت مثلما قيل عنها إنها كلعبة التتابع التي يسلم العصى فيها اللاعب للآخر، ولكن اللاعب الأول لا زال يركض في مكانه من القيود، والآخر كُبلت رجلاه بقيود اللائحة، والثالث زرعت رجلاه في الأرض ولا يستطيع الحراك من الهم الذي ساقه له الأول والثاني، والعداء الرابع قد انقطع رباطه الصليبي فلم يعد يصلح للعدو، وسنأتي في مقال قادم لنتعرف على اللائحة التي قيودها أكثر من مرونتها، وهل تصلح لمستقبل الرياضة وتدفع بالخصخصة إلى الأمام وكذلك الرياضة، أو أنها ستعيق مستقبلنا الرياضي أكثر مما هو عليه، ولا أظن أن ذلك يزعج سمو الرئيس العام لأنه يبحث عن التميز، مثلما يبحث عنه كل رياضي بل كل فرد في هذا الوطن، الذي نراه متميزاً إلا في مخرجات منتخباته الرياضية وليس أنديته.
إن هذا المدخل يؤكد ما دار في الاجتماع الذي عقد قبل ثلاثة أسابيع مع الأندية بحضور سمو الرئيس العام وقيادات الرئاسة ورؤساء أندية الدرجة الممتازة والأولى، وعرفت الأندية كلها أن عليها الاعتماد في السنوات القادمة على نفسها وعلى مواردها الذاتية وخططها الطموحة، في تنمية تلك الموارد وأوجه الاستثمار التي يستطيع النادي أن يحقق من خلالها موارد تكفيه للصرف على نفسه، وهنا إشارة إلى توقف قريب جداً من الرئاسة على دعم الأندية التي لم تتهيأ أصلاً إلى ذلك، ولم تقدم لها الرئاسة ما يعينها، لأننا لا نفترض أن الجميع يملك الحس الاستثماري وابتكار الطرق التي تمكنه من استغلال تفاصيل النادي في زيادة إيراداته، وان قدمت الرئاسة بعض التجارب أو الأفكار هل في مجلس إدارة الأندية من يستطيع أن يحقق ذلك ويتبناه أم أنه سيحس أن هذا دور لا يمكن فيه العمل التطوعي في الأصل، وهل تستطيع مجالس الأندية أن تضع خطة استراتيجية لتنمية الموارد والاستثمار، أو أن الأمر يحتاج ورش عمل لتهيئتهم إلى هذا الفكر الاستثماري الجديد، ثم هل مواقع الأندية كلها يمكن استغلالها في تنمية مواردها، إذا سلمنا أن تغييراً إيجابياً سيحدث في الاجتماع الذي طلب سمو الرئيس عقده مع معالي وزير الشؤون البلدية والقروية، وكلف وكيل الوزارة بالترتيب له لكي تتعامل البلديات بمرونة مع رخص الاستثمار إذا كانت مقار الأندية تسمح بذلك في الأصل، وان القطاع الخاص سيستفيد منها ويستثمرها، ثم إننا أمام ما يزيد على 150 نادياً، وهذا الرقم سيتضاعف كما قال رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم في عام 2020 أي بعد خمس سنوات كيف سيكون الحال في واقع أنديتنا الرياضية، هل هناك خطة عمل واضحة المعالم وأهداف يمكن قياسها تكون قابلة للتحقيق، حتى نقرأ مسبقاً مقدار الانحراف عن الأهداف وإمكانية التقويم بعد التقييم .
ولكي تكون الصورة التي تدعو لها الرئاسة واضحة، فإننا سنقدم مثالاً من الواقع المشاهد على نادي الفيحاء بالمجمعة الذي استبق هذا التوجه واستثمر الواجهات الرئيسية له على الشوارع التجارية، بعدما توفر لدية الدعم وأنشأ عليها أوقافاً رياضية ستحقق لدية قرابة 60% من مصروفاته، ولايزال هناك إمكانية لاستثمارات وقفية على باقي الواجهات التي تقع على شوارع رئيسية وحيوية واحدها شارع دولي، وسيتم طرح اللوحات الدعائية الداخلية للملاعب والأماكن المناسبة في الموقع العام للنادي للدعاية والإعلان وبعقد سنوي، وهذا سيحقق له مورداً آخر، وتم تأجير أماكن أخرى لتكون محلات للكوفي السيار أو مطاعم الوجبات السريعة وغيرها، بالإضافة إلى الدعاية التي تجدها على ملابس اللاعبين، والاشتراك في جوال النادي واستثماره تجارياً، بالإضافة إلى الكثير من الأفكار الاستثمارية التي نرى أن النادي قد سبق كثيراً من الأندية الرياضية في توفير ما يزيد على 85% من احتياجاته، وعند اكتمال استثماراته المطروحة فإنه سيغطي كامل مصاريفه وسيتنامى الدخل دون شك إذا صعد النادي إلى دوري الدرجة الممتازة، وهي خطوة موفقة تحسب للنادي والقائمين عليه، وتستحق ان تقدم كورقة عمل تقدم في مؤتمر لهذا الغرض تتبناه الرئاسة وتدعو له كل الأندية الرياضية .
وبعد هذه الصورة المشرقة لأحد أنديتنا الرياضية، فإن الأمل يحدونا كمهتمين بالرياضة والمتطلعين إلى المستقبل المضيء من خلال الفكر الشاب الذي يقود دفتها أن يكون هناك تسهيلات كي تنجح ثقافة الاستثمار في الأندية الرياضية، وأن يعاد النظر في اللائحة الخاصة بذلك، وأن نجعل في إدارة هذا الملف الكثير من المرونة كي تنطلق الأندية وتعتمد على نفسها، مع ضرورة وجود محاسب قانوني تضعه الرئاسة لتحقيق نظامية الدورة المالية في الصرف وعدم تحميل الأندية ديوناً بسبب اجتهاد مجلس إدارتها أو رئاستها في إدارتها لهذا الملف مثلما وجدناه في بعضها، وهي لم تنطلق بعد إلى تنمية الموارد والاستثمار، كما أن على الأندية أن تقدم ميزانياتها المتوقعة ومصروفاتها وكذلك ميزانية للتدفقات النقدية المتوقعة، لكي تتعرف على الفارق في وقت مبكر وتعمل على تحقيق التوازن في المرحلة الأولى، ثم إعداد الترتيبات للاستفادة من الفائض وتدويره، والتخطيط للمستقبل بفكر اقتصادي واستثماري يضمن استدامة الإيرادات وتغطية المصرفات .
ختاماً .. أرى من الضروري أن تطلب الرئاسة العامة لرعاية الشباب خططاً استراتيجية من الأندية عن استثماراتها وكيفية تنمية مواردها المالية خاصة أندية الدرجتين الممتازة والأولى، وتناقش مجالس إداراتها في ذلك وتقدم لهم العون والمساندة من خلال الخبرات الموجودة، أو الاستعانة بخبرات أخرى لها سابق تجربة في تنمية الموارد والاستثمار، لأن تلك الخبرات قادرة أن تصنع من اللاشيء شيئاً إذا مكنت من دراسة مواقع الأندية والفرص الاستثمارية الناجحة في تلك المواقع، ومن المهم تشجيع الأندية الناجحة في ذلك وتكريمها واستنساخ تجربتها دفعاً للمنافسة فيما بينها، مع ضرورة إشراك الإعلام الرياضي بجميع قنواته كي يكون معززاً لهذا الدور الذي سيحمل عن كاهل الرئاسة الكثير من العبء .